المنشور

رمضان بين أمريكا والصين

في أعقاب حوادث 11 سبتمبر 2001، وما تبعها من اطلاق حملة عنصرية عارمة ضد العرب والمسلمين داخل الولايات المتحدة بوجه خاص، وفي الدول الغربية بوجه عام، وهي الحملة التي كان لصقور اليمين المحافظ الجمهوري داخل الادارة الامريكية دور رئيسي مباشر أو غير مباشر في اطلاقها بتصوير كل العرب والمسلمين كإرهابيين وديانتهم «الاسلام« كديانة تحض على الارهاب والكراهية.. نقول في أعقاب ذلك بدأت تستشعر الادارة الامريكية بعمق الحنق والسخط اللذين ينتابان جل العرب والمسلمين في العالم من تلك السياسات الانتقامية العنصرية الامريكية. ولمحاولة تحسين صورتها المتزايدة قبحا أمام العرب والمسلمين عينت الادارة الامريكية مسئولة ادارية معنية بمحاولة تزويق ومكيجة هذه الصورة، ولكن ظلت الجهود والسياسات المبذولة في هذا الشأن عبثية تماما لم تغير من الصورة شيئا يذكر بل ازدادت دمامة من سيئ الى أسوأ. ولعل من السياسات النفاقية الفجة التي دأبت الادارة الامريكية على انتهاجها منذ سنوات في اطار تحسين صورتها اقامة مأدبة افطار سنوية رمضانية. يدعى لها نخبة من الشخصيات الدبلوماسية والاعلامية العربية والاسلامية في الولايات المتحدة علاوة على رموز عربية واسلامية مقيمة في الولايات المتحدة نفسها. وفي مأدبة افطار هذا العام التي جرت في مبنى الخارجية الامريكية ورعتها الوزيرة السيئة الصيت كوندوليزا رايس والتي وصفت بأنها آخر مأدبة للإدارة الحالية وتميزت بالتقشف الشديد في مأكولاتها المقدمة، والتي حرصت الادارة الامريكية على تطريز قائمة الطعام المقدمة «المينيو« بعبارة «لحم حلال«، حاولت رايس في كلمتها ان تبدي تواضعا للحضور بأنها لا تريد تصفيقا، وانها تود الترحيب بالشعراء والكتاب والفنانين الذين تثري ابداعاتهم «تعميق فهمنا للثقافة الاسلامية الغنية«. وبالتزامن مع هذا الكرم في النفاق الفج تجاه المسلمين والتقشف المقتر في المأدبة الرمضانية شنت بعض وسائل الاعلام الامريكية حملة خبيثة تشويهية مغرضة ضد الصين، وأثارت مزاعم وتخرصات صارخة عن اضطهاد المسلمين الصينيين في رمضان ومنعهم من الصيام. وهذا ما أوردته على سبيل المثال نيويورك تايمز، كالزعم بمنع المسئولين الحكوميين المحليين والطلبة والمدرسين من الصوم، ومنع موظفي الحكومة المتقاعدين من دخول المساجد، وعلى الاخص في اقليم تركستان الشرقية «سينكيانج« ذي الغالبية المسلمة، والذي يعد أحد المعاقل الرئيسية للقوى المتطرفة التي قامت بعدد من العمليات الارهابية ضد المدنيين خلال الاستعدادات لدورة الاولمبياد وأثناء الدورة. واذا كان يمكن فهم أو تصديق بأن تشمل قائمة المحظورات المزعومة منع ارتداء النقاب، أو اطالة اللحى، أو اغلاق المطاعم، فإن ما لا يمكن تصديقه البتة ان يشمل الحظر منع المسلمين من دخول مساجدهم أو من تأدية فرائضهم كفريضة الصوم. فلو حدث شيء من هذا القبيل في اي دولة في العالم لكان ذلك كافيا على الفور لانفجار ثورة عارمة من مسلمي تلك الدولة ضد حكومتها، ولكان ذلك دليلا على لوثة عقلية انتابت سلطات هذه الدولة. وعلى العكس من ذلك فإن الصين، وبالرغم من نظامها العلماني الاشتراكي المعروف، هي من الدول التي يتمتع فيها المسلمون، كسائر اصحاب الديانات الاخرى، بحرية كاملة في ممارسة عقائدهم الخاصة.. نقول ذلك بصرف النظر عما قد يواجهونه من مشكلات واشكاليات اجتماعية وثقافية كالتي يواجهها كل مسلمي العالم في البلدان ذات الغالبية غير الاسلامية أو في ظل انظمة علمانية. فبطبيعة الحال فإن التوسع في المحظورات الرمضانية، كمنع فتح المطاعم التي تطبق في الدول الاسلامية لا يمكن فرضها في ظل الانظمة العلمانية أو في بلدان الاقلية الاسلامية. وعلى عكس الولايات المتحدة ذات النظام الديمقراطي الليبرالي، فإن المسلمين في الصين لا يواجهون الاضطهاد العنصري كالذي يعانون منه في امريكا، ولعل مما له مغزى انه في نفس اليوم التي نشرت فيه تلك الاكاذيب المغرضة حول مزاعم اضطهاد المسلمين في الصين افادت أنباء صحفية محايدة من داخل الصين عن قيام معبد صيني في جاوة الشرقية باعداد مأدبة افطار اسبوعية رمضانية عامرة بالمأكولات مخصصة لفقراء المسلمين، كواحدة من البادرات التي يقدم عليها عادة ذوو الديانات الاخرى تجاه اشقائهم المسلمين لتكريس التآخي الوطني، وروح المواطنة الصينية الواحدة. أما فريضة الصيام، وكل ما يتبعها من تقاليد وعادات رمضانية روحانية، فهي تمارس بحرية كاملة في كل أماكن وجود المسلمين من مدن وقرى وأحياء، بما فيها العاصمة بكين، كما هو الحال في منطقة مسجد «آند ينجمن« بقلب العاصمة ومسجد نيوجيه أكبر مساجد بكين، ناهيك عن مناطق الاكثرية الإسلامية، كمنطقة شينجيانج الويغورية و«نيغشيا« في شمال غربي الصين. وحيث تجرى صلوات التراويح في هذه المساجد وتعد فيها مآدب السحور. هذا بخلاف المساعدات الحكومية التي تقدم للمسلمين في هذه المناسبات. فهل ثمة وجه للمقارنة بين أوضاع المسلمين في امريكا وأوضاعهم في الصين؟ وهل ثمة وجه مقارنة للاضطهاد والتمييز العنصري ضد العرب والمسلمين في الولايات المتحدة مقارنة بما يزعم من اضطهادات لهم في الصين؟ وأين دور الحكومة الامريكية ومليارديرية الولايات المتحدة تجاه مسلمي الولايات المتحدة في رمضان مقارنة بدور الصين تجاه مواطنيها المسلمين؟
 
صحيفة اخبار الخليج
16 سبتمبر 2008