آفاق الإصلاح في المجتمع مرهونة بضرورات التحديث: التحديث في الوعي وفي الإدارة وفي شكل المشاركة الشعبية والسياسية. ومجتمعنا خطى خلال السنوات القليلة الماضية خطوات أمنت مقدارا مهما من الانفراج السياسي، وأتاحت مقدارا من حرية الرأي والتعبير والتنظيم في مجالات مختلفة، وتنشأ أسس موضوعية في المجتمع تؤسس لتطور هذه التدابير وتعززها، ويحتاج الأمر للمزيد من الحرص والعمل المسؤول للمضي للأمام، لا النكوص إلى الوراء. إن مبادرات مهمة مازالت منتظرة في هذا الاتجاه، لأننا لا ننظر للإصلاح بوصفه تصحيحاً لوضع خاطئ كان قائما فحسب، وإنما أيضاً، وأساساً، كونها عملية من أجل تحقيق أهداف حيوية تتصل بالإصلاح السياسي والاقتصادي، وبتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن وللتغلب على أوجه الفساد، أيا كانت صورته، في الجهاز الإداري، وإعادة تأهيل هذا الجهاز ليكون قادراً على الوفاء باستحقاقات الإصلاح. ولا تنفصل عن ذلك مهمة تفكيك البنية التشريعية المحافظة والرجعية التي تعود لحقبة أمن الدولة، والتي صممت في الكثير من وجوهها لحماية تلك المرحلة، لتحل محلها بنية تشريعية جديدة تتواءم وروح الإصلاح وحاجاته، لأن من شأن بنية مثل هذه أن تشكل القاعدة الضرورية التي تدعم تطور المجتمع المدني ونهوضه بالأعباء الواقعة عليه، وتطلق الحريات العامة وتضمن الرقابة على المال العام وحمايته من التطاول عليه، وتحاصر بيئة الفساد وتمنع تمددها واتساع مداها. وليست أقل أهمية من ذلك مهام تطوير أنظمة التعليم، وإشاعة المناخ الديمقراطي في مجال الثقافة والإعلام ورعاية التربية والفنون والآداب عبر توفير البنية الأساسية اللازمة لذلك لإيصال الخدمات الثقافية الضرورية إلى القطاعات الشعبية الواسعة، والتأسيس لمفهوم التنمية الثقافية بوصفه أحد أوجه التنمية المستدامة الموجهة نحو بناء الإنسان وتطوير مهاراته الذهنية والمهنية. إن نهجاً متوازناً ومتكاملاً مثل هذا يستند إلى رؤية أو تصور شامل للإصلاح السياسي والإداري والمالي من شأنه أن يوفر بيئة اجتماعية تساعد على الحد من مظاهر الاحتقان والتعصب والميول المحافظة، ويساعد على إشاعة ثقافة الحداثة ودمقرطة بنى المجتمع المختلفة، لأنه يؤمن تفاعلا أوسع وأكثر ديناميكية بين قوى الإصلاح في المجتمع، وهي قوى فاعلة وتمتلك طاقات تغيير كبيرة، لكنها مازالت غير موظفة بالصورة الصحيحة في هذا السياق. وهو أمر سيخلق ديناميات جديدة تجعل من الإصلاح قضية اجتماعية – سياسية مركبة تعني المجتمع كله في مواقعه المختلفة، بما يساعد على بلورة محتوى جديد للمجتمع المدني، ليصبح محتوى موجها نحو بناء الدولة الحديثة القائمة على مبادىء العدالة وتكافؤ الفرص أمام جميع المواطنين.
صحيفة الايام
16 سبتمبر 2008