عند التحقيق في إفلاس هيئتي التقاعد والتأمينات في الفصل التشريعي الأول، كشفت لجنة التحقيق النيابية في الموضوع عن واقعة قيام هيئة التأمينات بإقراض “بنك البحرين والشرق الأوسط ” مبلغاً يُقدر بملايين الدولارات، غير أن هذا البنك سرعان ما تعرض لهزةٍ مالية، في نتيجتها قامت الحكومة بشطب الدين المستحق عليه للهيئة، مثلما فعلت مع قروض مستحقة لمؤسسات أخرى شطبت ديونها وكان هذا أحد أوجه العبث في طريقة تصرف الهيئة مع أموال عائدة للمواطنين، وليست مُلكاً للدولة، ولا يحق لأحد التصرف فيها بالشطب على الضد من مصلحة هؤلاء المواطنين.
بالتالي يمكننا القول أن هناك سوابق في تاريخ هيئتي التأمينات الاجتماعية والتقاعد في مجال الإقراض، وهي سوابق واضحة في إخفاقها، هذا دون أن نتحدث عن الأوجه المتعددة للمخالفة الإدارية والمالية والقانونية البينة في القرض الذي تنوي الهيئة تقديمه للشركة القابضة: “ممتلكات” والبالغ مائة مليون دولار من أصل خمسمائة مليون دولار طلبت الشركة من بنك البحرين الوطني تأمينها، فكان أن وقع الاختيار على الهيئة لتسدد ما قيمته 20% من إجمالي هذا القرض.
والهيئة ليست بنكاً ليقدم القروض لأية جهة، والقانون لا يبيح لها تقديم القروض، فمهمتها منحصرة في تنمية واستثمار اشتراكات العاملين في القطاعين الحكومي والأهلي، وليس الإقراض هو أحد وجوه الاستثمار، خاصة بالنظر إلى حجم الفائدة المتواضع في هذا القرض البالغ 1,39بالقياس إلى عوائد الاستثمار في أوجهٍ أخرى بينها الاستثمار في العقار والمحافظ الاستثمارية على سبيل المثال.
ونحن نعلم أن وضع هيئة التأمين الاجتماعي ما زال قلقاً، ولم تجتز بعد مخاطر الإفلاس بحسب تقارير الخبراء الاكتواريين المقدمة للهيئة ، التي قالت انه إذا لم يجر تدارك الوضع فان الهيئة ستفلس في العام 2022.
ما يقوله الاتحاد العام لنقابات العمال في اعتراضه على القرض ينطوي على وجاهة كبيرة ، خاصة لجهة الخوف من تكرار سيناريو إفلاس هيئتي التأمينات والتقاعد في العام2003، مع وجود سوابق في شطب القروض كما أسلفنا، يضاف إلى ذلك عدم وضوح أغراض القرض الذي تطالب به ممتلكات وعدم وجود دراسة جدوى متكاملة للقرض، فضلاً عن أن القرض سيحجز مبلغ مائة مليون دولار لمدة خمس سنوات من دون قدرة الهيئة على الاستفادة منه، على عكس الاستثمار في العقار أو الأسهم الذي سيمكن الهيئة من بيعها والدخول في استثمارات أكثر فائدة.
تبقى ضرورة الإشارة إلى بيان المصرف المركزي المنشور في الصحافة والذي ينفي فيه وجود أي سلطة رقابية على هيئة التأمين، وهو أمر محير حقاً، فكيف يجوز للجهاز المعني برسم وضبط السياسة المالية في البلد، ومراقبة أداء المؤسسات ذات الصلة بالمال ألا تكون له سلطة رقابية على الهيئة التي تملك أكبر احتياطي مالي في البحرين، أي هيئة التأمين الاجتماعي بعد توحيد الهيئة والصندوق، وهو الاحتياطي الذي يفوق ثلاثة مليارات دينار بحريني.
خاص بالتقدمي