المنشور

تحرير الصحافة من القيود

لو قارنا حال الحريات الصحافية المتاحة في‮ ‬البحرين اليوم بنظيرها في‮ ‬البلدان الخليجية الأخرى فان الإنصاف‮ ‬يقتضي‮ ‬القول أنها حال متقدمة،‮ ‬إذا ما استثنينا حال الحريات الصحافية في‮ ‬الكويت،‮ ‬التي‮ ‬يُمكن القول أن الصحافة فيها تعد سلطة رابعة بالفعل،‮ ‬بالنظر إلى السقف العالي‮ ‬لحرية التعبير ولجرأة الصحافة في‮ ‬الاقتراب من أشد المناطق حساسية‮.‬ ولا‮ ‬ينطلق حال الصحافة الكويتية من الفراغ،‮ ‬إنما هو‮ ‬يستند إلى تقاليد راسخة تعود إلى العصر الذهبي‮ ‬في‮ ‬الحياة السياسية الكويتية قبل أن‮ ‬يستحوذ على مجلس الأمة وعلى المجتمع ممثلو الإسلام السياسي‮ ‬والقوى التقليدية،‮ ‬والى ذلك العصر الذهبي‮ ‬الذي‮ ‬انبثق من الرؤية السديدة لأبي‮ ‬الحياة الدستورية والديمقراطية هناك المغفور له عبدالله السالم‮ ‬يعود الفضل في‮ ‬نهضة الكويت وتقدمها‮.‬ نريد أن نتفاءل بوعد وزير الإعلام الأستاذ جهاد أبو كمال بأن‮ ‬يكون قانون الصحافة المنتظر أفضل قانون للمطبوعات والنشر في‮ ‬المنطقة،‮ ‬وهذا التفاؤل مشروط بألا ننظر إلى الحالات الأدنى منا وإنما لما هو أعلى ولمن هم في‮ ‬حالٍ‮ ‬أفضل منا،‮ ‬لذا فتطلعنا هو إلى حال من الحريات الصحافية مثل تلك المتوفرة في‮ ‬الكويت،‮ ‬وهي‮ ‬الحريات التي‮ ‬جعلت من الصحافة الكويتية رافعة من روافع الحيوية السياسية،‮ ‬والى مؤثر‮ ‬يُعتد به في‮ ‬مُجريات الأمور‮.‬ ولدينا في‮ ‬البحرين كل ما‮ ‬يؤهلنا لبلوغ‮ ‬هذا الحال،‮ ‬من تعدد المنابر الصحافية بفضل النهضة التي‮ ‬شهدتها الصحافة في‮ ‬البحرين بعد المشروع الإصلاحي،‮ ‬وارتفاع سقف الحريات بشكلٍ‮ ‬لا‮ ‬يمكن مقارنته بما كان عليه الحال في‮ ‬المرحلة السابقة،‮ ‬مرحلة قانون أمن الدولة‮.‬ والى ذلك كله،‮ ‬لدينا حراك سياسي‮ ‬نشط‮ ‬يتمثل في‮ ‬وجود وفعالية الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني‮ ‬وطبيعة الانشغالات السياسية والاجتماعية التي‮ ‬تسمح بطرح قضايا أساسية تتصل بالبناء الديمقراطي‮ ‬وآفاقه للنقاش‮.‬ لكن حجم المعوقات أمام ذلك الطموح ليس قليلاً،‮ ‬فمشروع قانون المطبوعات المقدم من الحكومة،‮ ‬رغم انه أخذ ببعض ملاحظات الجسم الصحافي‮ ‬والهيئات السياسية والحقوقية المعنية بحرية التعبير،‮ ‬خاصةً‮ ‬فيما‮ ‬يتصل بإلغاء النص على حبس الصحافي،‮ ‬إلا انه ترك الكثير من المنافذ التي‮ ‬يمكن أن تجعل من الصحافي‮ ‬مسائلاً‮ ‬بموجب قانون العقوبات،‮ ‬فكأننا في‮ ‬الظاهر حررنا قانون الصحافة من قيوده الظاهرة لنحيلها إلى قانون العقوبات‮.‬ ‮ ‬والمؤمل من مجلس النواب،‮ ‬وهو‮ ‬ينظر في‮ ‬المشروع في‮ ‬دور الانعقاد المقبل كما هو متوقع أن‮ ‬يقف أمام ذلك،‮ ‬وثقتنا كبيرة في‮ ‬أن وزير الإعلام‮ ‬يتفهم الهواجس التي‮ ‬تستحوذ على أذهان العاملين في‮ ‬الصحافة حول هذه المسألة بالذات‮.‬ ثمة نقطة أخيرة هي‮ ‬أن المشكلة لا تنحصر فقط في‮ ‬النصوص المكتوبة،‮ ‬التي‮ ‬يمكن أن تكون جيدة،‮ ‬وإنما أيضاً‮ ‬في‮ ‬تلك القيود‮ ‬غير المكتوبة،‮ ‬والتي‮ ‬أصبحت تشكل مع الوقت خطوطاً‮ ‬حمراء لا‮ ‬يجوز الاقتراب منها،‮ ‬وهي‮ ‬بهذا المعنى قد تكون أشد خطورة من التقييدات القانونية،‮ ‬لذا نحن في‮ ‬حاجةٍ‮ ‬إلى مناخٍ‮ ‬متسامح‮ ‬يشيع شعوراً‮ ‬بالثقة والأمان والطمأنينة داخل الجسم الصحافي،‮ ‬يجعل العاملين فيه أحراراً‮ ‬ليس فقط من القيود المكتوبة على حرية الرأي،‮ ‬وإنما أيضاً‮ ‬من تلك المستقرة في‮ ‬الأذهان‮.‬
 
صحيفة الايام
15 سبتمبر 2008