تمثل العمالة الخليجية المكونة من عربٍ وغير عرب، مواطنين وأجانب، قوى العمل التي بذلت جهودها لتظهر الطرق والورش والمصانع والعمارات والصحف والجسور، وليتم إنتاج النفط وتصديره، وصيد السمك وجلب سلع الغذاء، وغير ذلك من شؤون العيش، فهي القوى التي صنعتْ الحياة واستمرارَها، لكنها لم تكن مالكة لثمار عملها، وسرعان ما نـُسيت بعد إنجازاتها وظلت معيشتها صعبة ورديئة في كثيرٍ من الأحيان، وهي مثل النهر الجاري المتدفق يتبدل كل لحظة، ويتدعم بروافد جديدة ودماء جديدة، ويعاني ويسكن ويعيش ويقع ضحية لاستغلال وحوادث وتبدلات لا تنتهي.
ونحن لا نقيمُ حواجز في درس قوى العمل، ففي الحياة الاقتصادية ليس ثمة مجال للأشكال الوطنية والقومية، فهي كلها تبذلُ جهوداً تقاس بمعايير اقتصادية محددة، وهي كلها تعبر عن بذل طاقةٍ نافدةٍ من الإنسان، وعن تراكيب اقتصادية وبُنى اجتماعية مختلفة، تتعاونُ أو تتصارع، حسب أوضاع العمل والأجور والسكن والبيئة والثقافة. وإذا كان الطابع العربي الخليجي يميز العمالات الوطنية حيث الانتماء لقومية واحدة، ذات جذور في الأرض، وهذا يعطيها ميزة الأقدمية والأفضلية في ميدان التوظيف، لكن هذا أمرٌ ليس متماثلاً في دول الخليج، فإن القوى الأخرى هي العمالةُ الأجنبية الوافدة غير العربية والعربية ذات المصادر القومية المختلفة، وتتباين ظروف تشغيلها تبايناً شديداً. ولا توجد أرقامٌ عامة تمثل هذه التباينات القومية والإدارية الكبرى، لكن علينا أن نبحثَ عنها، ونرى مساراتها، وعلاقة هذه المسارات بالتطورات الاقتصادية في كلِ بلد وفي منطقة الخليج عامة، وعلاقة هذه المسارات بالتطورات السياسية المناطقية والعالمية.
لكن في البداية لابد من معرفة بعض الأرقام المتوافرة عن أحجام العمالة. وهناك الرقم الشهير الذي يجعل سكان الخليج عرباً وأجانب يقارب الثلاثين مليوناً، أكثر من نصفه عمالة أجنبية وبعضها عربي.
تشير أرقامُ العمالة الأجنبية في السعودية إلى وجود (8،8) ملايين عامل أجنبي بين عدد سكان يبلغ 17 مليوناً، والعمال من الهند وبنغلاديش وباكستان بين مليون ونصف مليون عامل، و500 ألف من اندونيسيا وأقل بقليل من ذلك عدد السيرلانكيين وأغلبهم نساء. ويؤكد العديد من الخبراء أن العدد الاجمالي للعمالة الأجنبية في الخليج يقارب الخمسة عشر مليوناً، أغلبهم آسيويون، وتقدر تحويلاتهم بـ 25 مليار دولار. وهناك عمال عرب كثيرون من مصر وفلسطين والسودان وسوريا والعراق الخ.. ولم تحدد أعدادهم بدقة، لكن عدد المصريين في السعودية أكثر من مليون.
وفي تقرير صادر عن منظمة هيومان رايتس في سنة 2003 يذكرُ أن عدد العمال في الخليج قد بلغ عشرة ملايين، أغلبهم من العمال غير المهرة ثم أنصاف المهرة، ويمثل المهاجرون في دولة الإمارات العربية 90% من عدد السكان، وقد بلغ عددهم 1،7 ملايين . وتقول المنظمة إن حجم التحويلات سنة 2002 بلغت 80 مليارا بعد أن كانت في سنة 1998، 60 مليارا، ويقول التقرير إن هذه الأموال غدت مهمة في البلدان النامية،(بدرجة تفوق الإقراض الخاص ومعونات التنمية الرسمية)، (ففي عام 2001 قـُدر حجم هذه الأموال في الهند بعشرة مليارات وفي الفلبين ستة مليارات وأكثر من مليارين في كل من مصر والمغرب والأردن ولبنان). لقد حدثَ ترابطٌ اقتصادي وسكاني واسع بين منطقة الخليج وعددٍ كبير من بلدان الشرق خاصة، وعلى الجانبين راحت تنمو علاقات اقتصادية غير مدروسة بعد. وبعد أحداث العمالة في الكويت ذكر ان عدد العمال البنغاليين في الكويت يبلغ أكثر من 400 ألف عامل. وذكر تقرير لجريدة عكاظ السعودية ان عدد العمال البنغلادشيين في السعودية يبلغ 8،1 مليون، يحولون إلى بلدهم سنوياً 14 ملياراً من الدولارات.
وكان بروز هذه العمالة على سطح الأحداث جزءا من حراك عمالي نضالي كبير، صورته بعضُ الدوائر بالمؤامرات وتكفي هذه الأرقام الكبيرة من قوى العمل ولمحة بسيطة عن ظروفها لتؤكد أن المسألة أعقد من ذلك.
وإذا كان الأمر يتعلق هنا بالظروف الاقتصادية في بلد التشغيل، فإن ظروفاً أخرى عديدة تلعب دوراً في وضع هذه العمالة المهاجرة كظروف السكن والأجور خاصة، وعملية التحويلات وفروق العملة ومدى قدرة الأجور على إعالة العائلات التي تقف وراء هؤلاء العمال. وفي دراسة أعدها صندوقُ النقد العربي ذكرَ أن مصر تأتي على رأس المستقبلة لتحويلات العمالة العربية في الخليج، بنحو 5 مليارات دولار سنة 2005، تليها المغرب بنحو 6،4 مليارات، ثم لبنان 3،4، ثم الأردن والجزائر بمبلغ 5،2 ثم البلدان الأخرى كاليمن والسودان بمبالغ أقل. ومن الواضح هنا أن ثمة سيادة عمالة آسيوية غير عربية على العمالة العربية الخليجية وغير الخليجية، وهو أمرٌ يعكس طبيعة هذه العمالة المتناقضة مع المحتوى القومي للخليج، وهو أول تناقض نبصره في هذا التباين الكبير بين عمالة وافدة لا تتكلم لغة المنطقة وعمالة عربية شحيحة تتكلم لغة المنطقة. وهذا يعبر عن أن علاقات العمل والإنتاج السائدة في الخليج مفصولة عن جذور المنطقة، وأنها مُركبة فوقها بطريقةٍ آليةٍ مفروضة، وأن قوى الإنتاج ذات طابع عالمي غربي، كما رأينا في تركيبة البترول التاريخية، (راجع: البترول رأس مال العرب)، وأن هذا الطابع الغربي هو الذي شكل العمالة المهاجرة وصاغها حسب مصالحه التاريخية، ونمو سلعه وإنتاجه.