بقدر ما يشعر المرء بالأسى والألم الشديد للكارثة الانسانية المروعة التي يمر بها حي الدويقة بسفح جبل المقطم الشهير بالقاهرة من جراء انهيار كتل صخرية ضخمة تدحرجت من أعلى الجبل وجثمت على منازل ذلك الحي الشعبي الفقير وسوتها في ثوان مع الأرض تحت الانقاض، وحيث راح ضحية هذه الكارثة حتى الآن عشرات المواطنين وصلت تقديرات أعداد القتلى منهم حتى ساعة اعداد هذا الموضوع الى ما يقرب من 50 قتيلاً فيما بلغت تقديرات أعداد المصابين الى أكثر من 60 مصاباً.. نقول: بقدر ما يشعر المرء بالأسى والألم الشديد لافتقاد ارواح هؤلاء الابرياء فانه يشعر بالأسى لما تعرض له رجال الأمن الانقاذيون الابرياء من اعتداء من قبل الأهالي المفجوعين من ذوي المنكوبين.
فلئن كان المرء يتفهم تماما عمق الجروح الغائرة التي انتابت نفوس المفجوعين من ذوي ضحايا الكارثة مما دفع اعدادا منهم لصب جام غضبهم الشديد بالاعتداء على أولئك البسطاء من رجال الأمن والجيش المسخرين لعمليات الاغاثة والانقاذ، فإن هؤلاء البسطاء من قوات الشرطة لا حول لهم ولا قوة فيما حدث، ولا يتحملون أدنى مسؤولية إدارية أو سياسية في مسببات الكارثة التي أرجعها معظم المحللين والمراقبين المصريين، وبضمنهم قيادات في الحزب الحاكم، لاسباب فسادية واهمالية. وعلى سبيل المثال فإن محافظ القاهرة «عبدالعظيم وزير« اعترف بشجاعة بوجود تقارير حكومية تنذر بوقوع الكارثة منذ عام .1993 ذلك بأن رجال الانقاذ من قوات الأمن والجيش، بغض النظر عما فرض على بعض فرقهم في بعض المحطات التاريخية من اصطدامات ومواجهات مع الأهالي في الاضطرابات السياسية الشعبية على امتداد عقود طويلة منذ تأسيس الدولة المصرية الحديثة، إلا انهم من اكثر شرطة وجيوش الدول العربية أصالة، وتضرب جذورهم تاريخيا الى أعماق التربة المصرية. وكانت لهم مواقف وطنية وانسانية مشهودة في التاريخ المصري المعاصر. وبالتالي فليس كل صفحات تاريخهم سوداء، كما يُعتقد وهماً. علاوة على ذلك، فليس كلهم بجميع فرقهم وتفرعاتهم ومهامهم الوظيفية مسخرين، كما يُظن، للمواجهات أو لقمع الاضطرابات والمظاهرات الشعبية. وبعيداً عن كل الجدل المحتدم الآن داخلياً حول المسببات السياسية والإدارية التي أدت الى كارثة المقطم، فإن ما غاب كليا من عوامل الكارثة في هذا الجدل هو افتقاد الدولة الى الامكانيات والوسائل الآلية التكنولوجية المتطورة في عملية الانقاذ، كالتي تتوافر عادة في الدول المتقدمة، فلو وقعت مثل هذه الكارثة فرضاً في دولة متقدمة، كالولايات المتحدة، لتم انقاذ الناجين المحشورين تحت الانقاض في غضون ساعات ربما لا تتجاوز يوما واحدا على الاكثر. والانكى من ذلك فمثلما لم تظهر الولايات المتحدة الصديقة الحليفة لمصر ولدول مجلس التعاون أي شهامة تعاون في كارثة الاعصار جونجو بسلطنة عمان، ها هي تقف متفرجة على محنة الصديق المصري في كارثة المقطم الراهنة، حيث عمليات الانقاذ مازالت بطيئة رغم تقدمها النسبي مؤخرا، ورغم مرور نحو اسبوع على وقوع الكارثة وذلك بسبب ضعف وتخلف الامكانيات الآلية الموظفة في عملية الانقاذ الجارية قياساً بتطورها في الدول المتقدمة كأمريكا، ومن ضمنها الوسائل والتقنيات والآليات والمروحيات الحديثة البالغة التطور. وعلى سبيل فقد ذكرتني – كارثة المقطم وضعف وسائل وامكانيات العمليات الانقاذية المتطورة التي لا تملكها مصر ودول العالم الثالث عامة بحوار جرى بيني وبين أحد أساتذة جامعة بكين قبيل افتتاح الدورة الاولمبية، حينما فاجأني بالقول، كغيره ممن التقيتهم قبلاً من كبار المسؤولين، بأنهم لا يعتبرون بلادهم حتى الآن دولة صناعية متقدمة، حتى بالرغم من كل ما حققته من انجازات اقتصادية وانتاجية باهرة خلال العقدين الماضيين. وحينما اردت الاطالة في مجادلته بطرح المزيد من الاسئلة لتوضيح هذه المفارقة الغريبة اكتفى لإفحامي وقطع هذه المجادلة بضرب مثل من واقع ظروف محاولة اغاثة الناجين في كارثة زلزال سيشوان ببلاده حيث كان أحد العوامل الرئيسية لتعقد محاولة الاغاثة عدم امتلاك الصين مروحيات ثقيلة تحمل عشرات الأطنان، في حين كانت الجارة روسيا لديها مثل هذه المروحيات المتطورة ولم تتوان عن الاسراع في المساهمة باغاثة الصديق الصيني لانقاذ من يمكن انقاذهم من تحت الانقاض. على أي حال ثمة دروس وعبر اخرى يمكن الاستفادة منها من كارثة المقطم تتصل بمدى جاهزية وتجهيز جيوشنا العربية، لا الجيش المصري وحده للمشاركة والتعامل مع مثل هذه الكوارث الطبيعية الطارئة في أوقات السلم، وهو ما تفتقد إليه كل الدول العربية، مما يستحق ان نفرد له وقفة خاصة مستقبلا.
صحيفة اخبار الخليج
11 سبتمبر 2008