تبدو مواقف الغرف الخليجية من العمليات التحولية الكبيرة في الاقتصاد وآفاق المنطقة عائمة وباهتة، فهي لا تمتلك أي تصورات عميقة للتحول، وهي تقزم بهذا نفسها، معبرة عن قوى اجتماعية تهتم بالربح من دون مساهمة كبيرة في تحديث المنطقة وتعريبها. يقول الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية لدول الخليج السيد عبدالرحيم حسن نقي في تصريح لإحدى الجرائد الكويتية محدداً السياسة العامة لهذه الغرف في رؤيتها للتحول الاقتصادي الذي يمر به الخليج: (إن القطاع الخاص ظل يعمل جاهداً على توظيف أكبر عدد من ممكن من العمالة الوطنية في مختلف المستويات الإدارية والفنية، وظل يعمل في هذا الدور جنباً لجنب مع القطاع العام لذا من الضروري الرجوع إلى القطاع الخاص الخليجي في حال إصدار أو تطبيق أي تشريعات جديدة تتعلق بتنظيم سوق العمل الخليجي خلال السنوات المقبلة). تغدو مسالة تغيير أوضاع الحياة الاقتصادية مرئية فقط من وجهة نظر أرباب العمل، فهنا كلمات عامة مجردة حول(يعمل جاهداً) و(توظيف العمالة الوطنية في مختلف المستويات) من دون ذكر أي أرقام عن هذا التوظيف وعن تناميه، كما أن تحديد تشغيل العمالة في وظائف إدارية يشير إلى طبيعة العمل في بعض دول الخليج حيث يقل وجود العمالة المهنية، وهو أمرٌ لا يرسم لوحة متكاملة للعمل في هذه المنطقة. كذلك فإن أمين عام الغرف وهو لا يقدم واجبات ملزمة قوية محددة لأرباب العمل يطالبُ بأن تلعبَ الغرفُ دوراً أساسياً في صدور التشريعات، بحيث تمنع التوطين والخلجنة والتعريب في الخريطة الاقتصادية السائبة، وهو أمرٌ يشير إلى سيطرة هواجس الأرباح السريعة، وفقدان أي رؤية سياسية قومية للاستقرار على المدى الطويل عند قيادات العمل الخاص. وهو كذلك يطالبُ الحكومات الخليجية بتطوير نظم التعلم وخاصة إنشاء المعاهد التطبيقية ويدعو(إلى ضرورة استقطاب الأيدي العاملة الأجنبية وتوظيفها والقضاء على ظاهرة العمالة السائبة). وحول ضرورة توسيع مشاركة المواطنين في مؤسسات القطاع الخاص أكد انه من الضرورة أولاً(رفع المستوى التدريبي للمواطنين). وهكذا تغدو الحلقة مفرغة، فالقطاعات الخاصة تتجه بقوة للعمالة الأجنبية الرخيصة تاركة الأهالي من دون أعمال، أو تطلب من الدول أن تشحنهم إلى دوائرها ليكونوا بطالة مقنعة، ولكن على هؤلاء المواطنين أن يتدربوا وتزداد قدراتهم في العلوم التطبيقية! ولكن حينئذٍ سوف تزداد أجورهم حسبما بذلوه من دراسة، وبهذا يزداد تعطلهم! وتذكر الاحصائيات أن حجم الصفقات للشركات الخليجية بلغت 821 مليون دولار في سنة 2003 فقط لكن هذا الرقم قفز بقوة فارتفعت هذه الصفقات في سنة 2007 إلى مبلغ 55 مليار دولار. وهذا يدل كذلك على اتساع السيولة المالية حيث كانت الصفقات تمول نقدياً. ولكن إلى أين يوجه رجال الأعمال هذه السيولة الكبيرة المتصاعدة؟ إنهم يوجهونها نحو المزيد من الأرباح واستنزاف جيوب المواطنين والعمالة الأجنبية، فقد حصلت شركات الاتصالات الخليجية وحدها على قروض قدرها 32 مليار دولار. وهكذا فإن قيادات القطاع الخاص حسب النموذج المهم المعروض هنا تمتلك رؤية اقتصادية آنية، وتتطلع لمصالحها المباشرة بكل قوة، ومن دون ربط هذه المصالح بتطورات الحياة الاقتصادية والسياسية، فيجري رؤية إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني في كل دولة خليجية، بصورةٍ لو تمتْ بهذه المعايير لأدت إلى فوضى اقتصادية كبيرة وإلى غليان سياسي مخيف. فسوف تؤدي إعادة الهيكلة، وهي ستحدث الآن أو غداً، لكونها تتماثل مع قوانين القيمة، إلى بطالة واسعة بين المواطنين أكثر مما هي الآن، وإلى تدفق عارم للعمالة الأجنبية، وإلى توجه الرساميل للخارج أو المشروعات التجارية والسكنية المرتفعة الإيجارات وغير هذا من الظاهرات التي ترفع الأسعار وتضخم الأرباح وتجعل الخصخصة وسيلة لالتهام مشروعات الدول العامة الإنتاجية المربحة. لم نجد في رؤى القطاع الخاص نظرةً مستقبلية كبيرة ونافذة، ومن هنا فإن معدلات التدفق العمالي الأجنبي ومشروعات المقاولات البنائية والفندقية وكل مشروعات الربح السريع هي التي يتم التركيز فيها من قبل القطاع الخاص، وهذه التطورات المتلاحقة لا يمكن أن تـُواكب بتعليم وطني تقني وعلمي متقدم، فيتم رهن دول الخليج للخارج عبر استيراد القوى الإنتاجية وتصدير الثروة للخارج من جهةٍ أخرى. أي يتم إيجاد اقتصاد خدماتي يستنزف الثروة. ولإحداث التوازن بين مطالب القطاع الخاص المتطرفة، وظروف شعوب الخليج، لا بد من تصاعد دور التيارات السياسية والنقابات المعبرة عن المنتجين العرب الخليجيين، لتحديد جلب العمالة ونوعياتها وتحديد مجالات الاستثمار الأكثر ضرورة وفائدة للمنطقة، وتكوين تطورات متدرجة في كل هذه المستويات، عبر الانتقال للاقتصاد الإنتاجي والتخفيف من الاقتصاد الخدماتي الذي قد يواجه الكوارث في حالة سيطرته، والتوجه إلى الاقتصاد المعلوماتي الكثيف وإدخال النساء الخليجيات والعربيات بصورة موسعة في عمليات الإنتاج.
صحيفة اخبار الخليج
11 سبتمبر 2008