الحادثة المأساوية الناجمة عن انهيار الكتل الصخرية الضخمة على حي منشية ناصر العشوائي في القاهرة تُسلط الضوء مجدداً على ظاهرة الأحياء العشوائية ومدن الصفيح والمقابر، لا في القاهرة وحدها وإنما في بلدان عربية أخرى. عدد ضحايا هذه المأساة آخذ في الارتفاع مع مرور الأيام عليها، حيث يُقدر عدد من هم تحت الأنقاض بما لا يقل عن خمسمائة إنسان. وتسير محاولات الإنقاذ وانتشال الضحايا ببطء شديد لا يتناسب مع حجم الكارثة، وسط سخط أهالي الضحايا وسكان الحي المنكوب، بسبب وعورة المنطقة وضعف، وربما انعدام، جاهزية التعامل مع مثل هذه الكوارث، في منطقة لم تهيأ أصلاً لتكون للسكن. الأحياء العشوائية في مدينة كبيرة مكتظة بالسكان مثل القاهرة هي حالة نموذجية لمثيلاتها في عواصم ومدن عربية أخرى تعاني من هجرة واسعة إليها من الأطراف والبلدات والأرياف، بسبب تدني المستوى المعيشي وانعدام فرص العمل، فيما العواصم مأزومة هي الأخرى، وتنوء بسكانها الأصليين الذين تعجز عن تأمين حياة مقبولة لهم. وحي منشية ناصر مثل حي على ذلك، حيث تشتهر هذه المنطقة العشوائية بالازدحام، إذ يقطنها أكثر من نصف مليون شخص، أغلبهم من المهاجرين من الأرياف بحثاً عن فرص عمل في القاهرة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من ٧١ مليون نسمة. وحسب تقارير صحافية فإن العديد من العائلات تقيم في غرفة واحدة ولا يتوفر الصرف الصحي وغيره من الخدمات الأساسية في الحي المقام على جرف صخري، سبق أن تعرض إلى كوارث مُشابهة في سنوات ماضية. مثل هذه العشوائيات تشكل مستودعاً للاحتجاج والغضب، وتوفر بيئة ملائمة للتطرف والتعصب، في غياب الخطط التنموية بعيدة المدى القادرة على استيعاب الأجيال الجديدة من الشبان الذين يولدون ويكبرون في مثل هذه الأحياء في حال من الشعور بعدم الأمان وبانسداد الأفق أمامهم في حياة كريمة تؤمن لهم التعليم والعمل والخدمات الضرورية.لا يبدو الأمر، والحال كذلك، مقتصراً على كوارث إنسانية مثل هذه التي يعيشها حي منشية ناصر بمحاذاة جبل المقطم، وإنما نذير كوارث اجتماعية أوسع مدى تطال مجتمعاتنا العربية كافة ما لم يُصر إلى استراتيجيات متكاملة بأبعاد تنموية واجتماعية وخدماتية وتربوية لمعالجة الأمر، ومحاربة الانتشار السرطاني لبؤر الفساد التي تجعل مثل هذه الاستراتيجيات متعذرة. ليس بلا مغزى أن الثكالى والمفجوعين من أهالي الضحايا يتحدثون بمرارة عن رجل الأعمال الذي رصد مليوني دولار، وهو مبلغ تتضاعف قيمته مرات حين يُحول إلى العملة المصرية، لقاتل محترف انقم له بقتل مغنية كان على علاقة بها، فيما لا يجد هؤلاء الفقراء مكاناً يؤويهم، ولا لقمة تسد رمقهم، وحين يهوون تحت الصخور لا يجدون من يستطيع انتشال جثثهم.
صحيفة الايام
11 سبتمبر 2008