تعد اتفاقية مكافحة الفساد الدولية واحدة من أهم الاتفاقيات المعنية لا بمكافحة الفساد وملاحقة مرتكبيه وتجميد وحجز وإرجاع العائدات المتأتية من الأفعال المجرمة، فحسب، ولكن باتخاذ كافة التدابير الوقائية لمكافحته وخلق البيئة السياسية والاجتماعية والإدارية الطاردة للفساد مع إيجاد آلية للمراقبة، وكانت البحرين إحدى الدول التي انضمت لهذه الاتفاقية، وقد أحال مجلس الوزراء للسلطة التشريعية مؤخرا مشروع قانون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وإذا جرى التصديق على هذه الاتفاقية فمن المؤمل ان تنشط مؤسسات المجتمع المدني لمساندة وتعزيز هذه الاتفاقية الهامة التي تعد حجرا أساسيا في البناء المؤسسي الديمقراطي القائم على الحكم الرشيد وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة.
ويكلف الفساد العربي المليارات سنويا وبعض الفساد يصعب حصره في بيئة مجتمعية تمنح الامتيازات الخاصة للبعض وتشح فيها المعلومة المهمة وخصوصا حين تصل إلى الموازنات المالية والثروات الوطنية وخزائن إيرادات النفط وغيرها، لذا تعتبر المعلومة مهمة جدا في هذه الاتفاقية.
وتقرر ديباجة الاتفاقية الأممية إن الفساد يشكل خطرا على استقرار المجتمعات وأمنها كما يقوض مؤسسات الديمقراطية والقيم الأخلاقية ويعرض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر. وجاء في التدابير الوقائية للاتفاقية بأن تقوم كل دولة موقعة على الاتفاقية بوضع وتنفيذ سياسات فعالة ومنسقة لمكافحة الفساد تعزيز المشاركة الشعبية والرأي العام فيه ضمن منظومة تعمل على حسن إدارة الشؤون والممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمساءلة.
وعلى صعيد مكافحة الفساد في القطاع العام تقرر الهيئة ضرورة إرساء العدالة في التوظيف والأجور والتدريب ومنح الحوافز والترقيات المنصفة للجميع، وتقول الاتفاقية بأهمية أن تتوافر مؤسسات ومصالح الدولة وقطاعها الخاص على مدونات ومعايير سلوكية معلنة ومنشورة من اجل الأداء الصحيح والسليم للوظائف العملية وإرساء تدابير ونظم تيسر قيام الموظفين العمومين والخاصين بإبلاغ السلطات عن أفعال الفساد عند اكتشافها مع إيجاد الحماية القانونية للمبلغين، والأمر ذاته ينطبق على المشتريات العمومية والتشارك في المناقصات.
الاتفاقية تفصّل في التدابير المانعة لعمليات غسيل الأموال وكيفية إنفاذ القانون في الموظفين العمومين الفاسدين وعند اختلاس الممتلكات وتسريبها وتبديدها والمتاجرة بالنفوذ وإساءة استغلال الوظائف والثراء غير المشروع والإخفاء وإعاقة سير العدالة، كما تفصّل في مساءلة الشخصيات الاعتبارية وفي التعاون الدولي بين جميع الدول الموقعة على هذه الاتفاقية وتتشارك في مؤتمر دولي خاص بها لضمان سير العمل بها باستمرار وليس ضمن مواسم متقطعة.
إن التصديق على اتفاقية مكافحة الفساد من شأنه أن يخلق بيئة جيدة ويحسن الأداء الحكومي والقضائي والنيابة العامة والمجالس النيابية والتنظيمات المجتمعية والقطاع الخاص وكل مجال قد ينشط فيه فيروس الفساد أو يجد الحماية والتستر .
إننا نتأمل الكثير من هذه الاتفاقية المحلية المتماشية مع الاتفاقية الدولية المعنية بمكافحة الفساد وتطويقه ومحاصرته بالقانون والعقوبات الرادعة.
الأيام 10 سبتمبر 2008