المنشور

عن الكهرباء في‮ ‬بلدٍ‮ ‬نفطي


في ضوء الانقطاعات المستمرة للكهرباء عن مناطق البحرين المختلفة لفت نظري مقال عن الكهرباء على موقع الحوار المتمدن، ربما ما كنت سألتفت إليه لولا أن الناس ضجت من عجز الجهاز الإداري المعني بخدمات الكهرباء في بلادنا عن تقديم الخدمة الواقعة على كاهله تجاه الناس، خاصة في مثل هذا الجو اللاهب وفي هذا الشهر الكريم بالذات.
وجدت المقال المذكور يحكي عن معاناة العراقيين مع انقطاع الكهرباء المستمر، وهو صيغ بلهجةٍ ساخرةٍ، تشفُ عن حجم هذه المعاناة وأوجهها المختلفة، والعراق مثلنا بلد نفطي وثرواته هائلة، لكن هذا البلد يعيش وضعاً استثنائياً، فهو منذ سنوات في حالة حرب أو ما يشبهها، والبنية التحتية هناك دُمرت بسبب الحروب العبثية التي فرضها على هذا البلد المنكوب الطغاةُ تارةً، والغزاة تارةً أخرى، ثم عمليات التخريب والإرهاب التي تنفذها “القاعدة” وتفرعاتها.
لذا فان المرء يستطيع أن يتفهم لماذا يعاني العراقيون من مشكلة انقطاع التيار الكهربائي في الظرف الاستثنائي الذي تعيشه بلادهم، باعتبار ذلك وجهاً من أوجه المعاناة العامة في ذلك البلد الشقيق التي نتمنى أن تنجلي قريباً، ولكن كيف نلتمس للمسؤولين عن الخدمات الكهربائية في بلادنا العذر، ونحن نعيش في وضع طبيعي مستقر، ولا تشكو البلد، ولله الحمد، من ندرة في الموارد ولا عجز في السيولة، أمام تدفقات عوائد النفط الهائلة، التي يتمنى المواطن أن تنعكس على شكل تحسين ملموس في الخدمات الضرورية، وبينها التغلب على مسلسل الانقطاع الدوري للكهرباء في كل صيف.
هل يمكن أن يكون مقبولاً أن الدولة ورغم كل الوعود التي تُطلق، عاجزةً عن بلوغ حلٍ نهائي لمشكلة انقطاع الكهرباء، خاصة وأننا مررنا بتجارب مريرة خلال هذه السنوات، بينها تجربة انقطاع التيار الكهربائي عن البحرين كلها ذات يوم أسود في صيف لاهب منذ سنوات قليلة. حينها قال المسؤولون أن ما حدث لن يتكرر، وأن الدولة بصدد وضع نهاية لمعاناة المواطنين في هذا المجال، لكن هذا لم يجد طريقه للتنفيذ حتى اليوم، فالكهرباء ما زالت تنقطع حتى هذه اللحظة ولساعات طويلة، في غياب الآلية المتحضرة التي يُفترض أن تحكم سلوك الجهاز المعني في مثل هذه الحالات بالإشعار المسبق بموعد انقطاع التيار وعودته كي يأخذ المواطنون ما يلزم من احتياطات على نحو ما أشارت الزميلة عصمت الموسوي في مقالها أمس.
ويمكن الاستطراد في هذا الحديث بالسؤال عما إذا كانت الانقطاعات الدورية للكهرباء تندرج في إطار خطة معلومة لتقنين الاستخدام بسبب عجز في الخدمة، أم أن الأمر عائد إلى خلل دوري يؤدي لهذه الانقطاعات بسبب كثافة الاستخدام، وفي كلا الحالين فان الأمر يكشف عن فشل. فكيف يصح في بلدٍ غني مثل البحرين، يشهد كل هذا التوسع في المشاريع وفي النمو العمراني أن يغفل موضوع توفير الطاقة الكهربائية الضرورية، فتُدار الأمور بطريقة التقنين كما لو كنا في ظرفٍ استثنائي، أو تترك للصدفة وحدها، فمتى ما اشتد الضغط على الخدمة انقطعت الكهرباء. وننهي الحديث بسؤال: إذا كنا عاجزين عن تدبر أمورنا في مسألة مثل الكهرباء، فكيف سنتدبرها في ما هو أكبر، كإستراتيجية التنمية المستقبلية؟