مِن أي وجهٍ قـلـّبنا فحوى تعميم ديوان الخدمة المدنية الذي أعادت وزارة التربية تعميمه على العاملين في الجهاز التربوي، سنجد أنفسنا أمام نصوصٍ تُذكر بالقانون الذي ما زال يثقل ذاكرة أجيال من البحرينيين، نساءً ورجالاً، ألا وهو قانون أمن الدولة سيء الصيت.
بأحكام هذا القانون عاشت البحرين واحدة من أسوأ مراحل تاريخها الحديث، حيث سادت التدابير الاستثنائية، وتعرضت حقوق الإنسان للانتهاك، وغُيبت السلطة المستقلة للقضاء، ولسنا في حاجة لتعداد أوجه الحصاد المُر لتلك المرحلة على كل الأصعدة.
بإلغاء قانون ومحكمة تدابير أمن الدولة تنفس المجتمع الصعداء، وولجت البحرين مرحلةً جديدةً تميزت بمقادير من الحريات العامة، بما في ذلك حرية الاحتجاج السلمي والتظاهر وتنظيم الإضرابات والاعتصامات المطلبية، التي قدمت البحرين بصورة مشرفة إلى العالم من زاويتين: الأولى هي عراقة ورسوخ تقاليد العمل المطلبي والسياسي فيها، بما يعكس نضج المجتمع المدني وتطوره، والثانية هي وجود التشريعات الضامنة لحرية هذا النوع من الأنشطة، مما شكل رصيداً للدولة جرى التنويه به من قبل المنظمات الدولية المعنية.
في الفترة الأخيرة كنا شهود على مؤشرات سلبية في هذا السياق، بينها تعميم الخدمة المدنية المشار إليه، والذي يصادر هو الآخر السلطة المستقلة للقضاء، ويمنح الأجهزة الحكومية سلطات واسعة في التعاطي مع الأنشطة الاحتجاجية والمطلبية، وهي سلطات تحمل طابعاً تعسفياً، خاصة وأن تقدير استخدامها راجع للجهات الإدارية المعنية، فضلاً عن أن النفس الذي صيغ به التعميم يكشف مثل هذا التوجه.
التحرك الذي يخوضه الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين ضد هذا التعميم ينسجم ومصالح القطاعات العمالية والمهنية التي يمثلها الاتحاد، وينسجم أكثر مع ضرورات العمل من اجل صون الحريات النقابية وحرية الاحتجاج السلمي المضمونة بقوة القانون، وهو تحرك يجب أن تتضافر جهود الجمعيات السياسية والمؤسسات المهنية والحقوقية وكل مؤسسات المجتمع المدني من اجل إنجاحه.
ومن الطبيعي أن تتوجه الأنظار أيضاً نحو مجلس النواب، الذي يجب أن يُظهر أعضائه الحرص المنتظر على مستقبل الحريات، لا أن تخضع مسألة مثل هذه للتجاذبات والمناورات السياسية، مع وجود مؤشرات قوية في هذا الاتجاه، مما يجعل من الحاجة إلى إضفاء الطابع الوطني على هذه القضية، باعتبارها قضية تعني الجميع، وباعتبار أن صون وتطوير الحريات العامة في البلد قضية لا تعني فئة بعينها، كما يراد أن يُصور الأمر.
وفي التاريخ عبرة، فعندما سنت الدولة قانون أمن الدولة في السبعينات عملت على ترويج فكرة انه موجه ضد اليساريين فقط، محاولة منها لإقناع الآخرين بالوقوف معه، لكن التجربة برهنت أن الجميع اكتوى بسياط هذا القانون حين أصبح نافد المفعول.