يقول الصحفي الأمريكي توماس فريدمان في مقال له بعنوان أمريكا والعجز الثلاثي ” إن ارتفاع سعر برميل النفط إلى 200 دولار يعني أن (أوبك) يمكنها شراء (بنك أميركا) بحصيلة شهر واحد، وشركة (أبل) للكمبيوتر بحصيلة أسبوع، و(جنرال موتورز) بحصيلة ثلاثة أيام “.
والمعروف إن الإيرادات النفطية في جميع الدول الخليجية تشكل ما نسبته 80٪ من دخل الخزينة – تزيد أو تنقص قليلا – وتعد البحرين ضمن هذه المنظومة.
الرقم الحقيقي لهذه الوفرة يتباين من مصدر لأخر، التنظيمات والقوى السياسية المعارضة تقول رقما كبيرا والمصادر الرسمية تقرر رقما اصغر.
النائب البرلماني الاقتصادي د. جاسم حسين يقول إن دخل الموازنة ارتفع بنسبة ٣٢٪ في عام 2007 بسبب ثورة أسعار النفط الجديدة. وحتى إذا افترضت المالية سعرا منخفضا لبرميل النفط لا يتجاوز الأربعين او الخمسين دولارا فإن الوفرة لافتة وموجبة للسؤال في أوجه إنفاقها والقطاعات الأكثر استفادة منها ومدى استفادة الشرائح الكبرى من مردودها. لكن الوفرة النفطية ترافقت مع موجة الغلاء العالمي والمحلي وارتفاع نسب التضخم التي جعلت النقود عملة ترابية لا تساوي شيئا خصوصا في التعاطي مع أسعار العقار والأراضي، والواقع إن الحكومة فتحت الباب على مصراعيه للتملك والاستثمار الخارجي في كل بقعة من هذه الأرض ولم يقتصر الأمر على البحار والسواحل الأعلى سعرا، بل طالت حتى امتدادات القرى والمدن المخصصة من البداية وضمن المخطط الهيكلي العام للإسكان، المواطن العادي البسيط ذو الدخل المتوسط أو المحدود ضاعت كل فرصه في ملاحقة هذا الصعود الجنوني والمضاربات في أسعار العقار، وان كان السكن يلتهم ثلث المدخول وفق دراسة محلية أجريت قبل سنوات، فكم سيكون نصيب السكن اليوم مع صعود العقار؟
مع ذلك نقول إن دعم الجانب القطاع السكني ومساعدة المواطن على الوقوف على قدميه ممكنة إذا توفرت الإرادة السياسية وجرى تحديد المدن الإسكانية الشعبية الراهنة والمستقبلية وتطويقها بأسوار من القوانين والتشريعات والمعلومة الصحيحة من اجل حمايتها من التعدي ولجم شهوة الاستحواذ لدى البعض، كذلك ودعم موازنة الإسكان ورفع مبالغ القروض.
إن أسعار السلع المستوردة خارج أيدينا، لكن إيجاد حلول إسكانية في الداخل لا يزال متاحا وممكنا، وفي ندوة الغلاء التي أقامها عدد من الاقتصاديين في مجلس احمد جناحي مؤخرا طالب المنتدون بزيادة الأجور وقصر الدعم على المواطن المستحق سواء في الغذاء أو الوقود أو الرسوم والضرائب، وفك ارتباط العملة المحلية بالدولار وتوسيع فرص العمل الخاص ودعم السلع للأسر المحتاجة بالكوبونات الغذائية المعمول بها في أمريكا والشراء الموحد للسلع الحيوية كالأدوية التي تقصم ظهر المرضى.
قالوا بأهمية رفع المستوى الاقتصادي بشكل عام وليس مجرد رفع الأجور ذلك إن رفع المستوى الاقتصادي يعني سلة معالجات متكاملة ترفع حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، مع ايلاء الاعتبار لأوضاع الفئات الدنيا في المجتمع.
في البلد السائر على المنظومة الرأسمالية والمعولمة والالتزام باتفاقيات منظمة التجارة العالمية وحرية السوق وغيرها تعني أيضا خلق المواطن المعولم ذي الحقوق المعولمة والأجور المعولمة والحريات الديمقرطية والنقابية المعولمة وليس التشدق بجانب دون أخر أو القول بعدم التدخل وترك قوى السوق والقوى المسيطرة تأخذ مجراها الطبيعي وتتحكم في الأسعار، في الندوة طالب البعض بإقامة حوار وطني اقتصادي سياسي موسع لمعالجة تداعيات المشهد الاقتصادي الجديد وتأثراتها على المواطن.
واللافت أن المماحكات الرسمية حول كوادر المهنيين والتخصصين في كل وزارة حكومية تلقى التعنت ذاته سواء في زمان الرخاء والازدهار او التراجع، لكن دخل الخزينة هو المعبر الحقيقي عن وضع الدولة الاقتصادي وانسحاب هذا الازدهار على جميع الشرائح خير معبر عن جدية الإصلاح وتدارك الحلقات الأضعف في المجتمع ورفع مستواها المعيشي.
من غير المقبول أن تتذرع الدولة بعدم القدرة على تحسين الكوادر المهنية في هذه الفترة بالذات، إن التحول الديمقراطي يبدأ من الخزينة ومن المساواة في توزيع الموارد ومن استجابة الموازانات للنهضة المجتمعية الشاملة، ومن عدم إغفالها للأضعف والأكثر حاجة والأقل تمكينا، أما علاوات الغلاء وبدل السكن ومساعدات التنمية الاجتماعية فلا تعدو كونها مسكنات مؤقتة لم تعد تليق بدول الخليج المصنفة اليوم من أهم الدول الغنية والناشطة اقتصاديا.
الأيام 4 سبتمبر 2008