مثلما أصبحت عملية الانقطاعات الكهربائية في مختلف مناطق مملكة البحرين تقلق أفراد الأسر البحرينية والمقيمة، وتثير هواجسهم وتؤرق نفسياتهم وتقض مضاجعهم فإن هذه العملية المؤرقة من انقطاع التيار الكهربائي، قد تعبر عن رحلة مؤلمة من العذابات الموجعة التي منيت بها هذه الأسر المغلوب على أمرها . وبحسب ما يعاني أفراد الأسر وخاصة منهم الفقراء والعُوز تلك الانقطاعات الكهربائية نهاراً وليلاً بل أياما وليالي متعاقبة.. فإن معاناة هؤلاء المعذبين أخذت تتضاعف وتترسخ خلال ذاك المسلسل من الانقطاعات الكهربائية سواء المبرمجة منها أو العشوائية بشكل مستمر ودائم..
ذاك المسلسل من دهاليز الظلام قد بدأ منذ أوائل شهر مايو الماضي حتى الآن من الساعات واللحظات.. ولكن هذه الانقطاعات الكهربائية جاءت من المعايير الثقيلة بأوزارها الرهيبة لتحول هذا المنزل الى مصهر للألمنيوم، وذاك المنزل الأخر إلى تنور لشواء الذبائح.. إذ تبدأ تلك الانقطاعات الكهربائية منذ الفجر حتى وقت الظهيرة او من وقت الظهيرة إلى منتصف الليل.. بل تتواصل أحياناً مدة (24) ساعة.. وتتجاوزها أحياناً أخرى إلى أكثر من يومين وذلك بحسب شهادة الكثير من الأهالي والأسر باستغاثاتهم وشكاواهم الذين عايشوا ومازال الكثير منهم يعايشون أسوأ الاحتمالات وأقسى التوقعات للانقطاعات الكهربائية في أي وقت وكل الأوقات.. بقدر ما تلاشت كل آمالهم الخيالية في دواخلهم التي علقوها على التصريحات المتكررة والمتماثلة لمسئولي هيئة الكهرباء بالقول: ” لا انقطاعات كهربائية.. ولا قطع مبرمجاً للتيار الكهربائي.. الأوضاع في هذا الصيف ستكون مطمئنة مريحة للمواطنين والمقيمين”. وحينما ذهبت الوعود والتعهدات بسبب إهمال مسئولي وزارة الكهرباء هباء أدراج الرياح.. استبدلوا الأسباب الواهية والمبررات التسويفية والديماغوجية بها، التي اتسمت بالمعايير المزدوجة والانتقائية كـ ” تجاوز الأحمال وتفوقها على شبكة التوزيع أو تقاعس المقاولين في إصلاح الخلل والعطب “.
إنه من الأهمية بمكان القول: إن أزمة الانقطاعات الكهربائية المتكررة من دون توقف أو نهاية أو إصلاح موطن الخلل ومواطن الثغرات.. فإنها (أي الانقطاعات الكهربائية) ستزيد معاناة أفراد الأسر خاصة ان المدارس على الأبواب وقد شارفت ببدء عام دراسي جديد.. الأمر الذي سيؤثر في طرائق تفكير وسلوكيات ومجهودات هؤلاء التلاميذ والتلميذات الأطفال، والطلاب والطالبات الشباب، بشكل سلبي ومؤسف يؤخر من تحصيلهم الدراسي ويضعف من نجاحهم العلمي والتعليمي ويهمش مساعيهم وطموحاتهم ويعثر خططهم وخطواتهم ، ناهيك عن بكاء وصراخ الرضع واستغاثة كبار السن والمقعدين الذين يصبحون معرضين للموت المحقق أو المفاجئ جراء هذه الانقطاعات الكهربائية. ليس هذا فحسب ولكن أيضا تلف المواد الغذائية المثلجة وكسادها وعطب الأجهزة الكهربائية وتخريبها التي تمثل عبئا ماديا طائلا على كواهل الطبقات الفقيرة.
ولعل من الضرورة بمكان القول: كم تطرق الكثير من المواطنين والمحللين والمتخصصين إلى أسباب الانقطاعات الكهربائية السنوية الموسمية المتكررة العشوائية منها والمبرمجة التي أرجعوها بالدرجة الأولى إلى غياب الإستراتيجية العلمية المطلوبة والدراسة والمسح الميدانيين اللذين تفتقدهما وزارة الكهرباء! وكذلك إعطاء التراخيص غير المدروسة لبناء وتشييد عمارات حديثة في مجمعات ومناطق قديمة. أضف الى ذلك قولاً غياب الصيانة الدورية لإصلاح أو استبدال الكابلات القديمة في فصل الشتاء بدلا من فصل الصيف.. أسباب محورية قد رسخت أزمة الانقطاعات الكهربائية في كل فصل صيف جديد وقادم. هذه السلبيات وهذه النواقص والثغرات وهذه الأسباب المرة التي تنطق بالنتائج الموجعة.. هي قضية وطنية شائكة ومعقدة.. لكنها واضحة بجلاء كوضوح الشمس في عز الظهيرة.. ولعل مسئولي وزارة الكهرباء هم اعرف العارفين بها وبحقائقها وأوجاعها.. ومن هنا استوجب إعطاء الحلول الناجعة لتداعياتها وتوفير النتائج الايجابية المنشودة لمفاهيمها.. من اجل تجنب الانقطاعات الكهربائية المزعجة التي باتت ترهب وترعب أفراد الأسر الذين ظلوا يعيشون بنفسيات وأعصاب متوترة مع كل فصل من فصول الصيف، مادام حال الناس والأسر والمجتمع والشعب إزاء هذه القضية المؤرقة لـ (الانقطاعات الكهربائية) تسير في اتجاه معاكس لراحتهم النفسية وأمانيهم المجتمعية واستقرارهم الأسري والمعيشي.
أخبار الخليج 5 سبتمبر 2008