ليس للمحة لونه المختلفة، وليس لزوجته ذات اللون غير الأبيض، بل لتصعيده عناصر النضال الديمقراطية الصغيرة المحاصرة والصاعدة في الحزب الديمقراطي الرأسمالي. لا يُقاس البشر بالألوان والمنابت العرقية بل بالمواقف المغيرة لمصير الأغلبية الشعبية في كل بلد. ولا يتاح للعمال والفقراء في أمريكا أن يصعدوا على مسرح السياسة العليا، وأن يقرروا مصير الأمة، بل لهم أن يقرروا ذلك من خلال الحزبين الرأسماليين الديمقراطي أو الجمهوري ممثلي الطبقة التي تسيطرُ عليهم وتستغلهم! وفي هذا خيرٌ وتقدم مع ذلك، لأن قيادة هؤلاء العمال لم يحن موعدها بعد، وهي تحتاج إلى الكثير من المعرفة والتقدم الاجتماعي.
ويقوم المتنفذون في الحزبين بتوظيف الرأي الشعبي الكاسح لمصلحتهما، والرأي الشعبي الأمريكي الكاسح هو رافض لعهد الحزب الجمهوري الأكثر يمينية وخدمة للطبقة العليا، من دون مراعاة لأكبر الشرائح الشعبية المتضررة من سياساته العسكرية والحربية التي جرت العالم إلى حافة الهاوية. صحيح إن هذه السياسة وجهت ضربةً كبيرة لبعض الأنظمة الشرقية الدكتاتورية الدموية ولكنها لم تجعل القوى الشعبية في هذه البلدان سيدة الموقف على الأرض، واستغلت ذلك لفرض امتيازات اقتصادية خاصة في المجالات النفطية. وكان هذا الزج الكبير بالقوات الأمريكية مكلفاً للشعب الأمريكي الفقير خاصة، من جهة جر أبنائه للحروب ومن جهة تصعيد الضرائب والتكاليف وإنقاص الخدمات الاجتماعية عليه. فجاء المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية معبراً عن هذه الأغلبية الشعبية التي قامت جماعة الأقلية الجمهورية، المعبرة عن تجار الأسلحة الكبار والشركات النفطية، بحصارها المعيشي وبإسكات أصواتها. كذلك كانت هذه السياسة التي قادها الرئيس الأمريكي بوش سياسة استعلاء وتصغير للقوى العالمية والإقليمية الكبيرة وفرض صوت عالمي واحد، مما استعدى هذه القوى وجعل العالم يقترب من الحرب الباردة العالمية مجدداً. وكانت سيادة أمريكا العالمية في طور الانهيار فقد أدت سياسة الإدارة الأمريكية في تصعيد نفوذها عبر الجيش والدولار واحتكار النفط إلى تصاعد خسائرها الاقتصادية، وجعل منافسيها الكبار مثل الصين وروسيا وأوروبا الغربية واليابان يصعدون على المسرح الدولي، نتيجة لتعزز اقتصاديات دولهم، وعدم وجود تكاليف باهظة لحروب، فتغير ميزان القوى العالمية، في وقت ظنت قيادة أمريكا أنها كسبت فيه وصعدت. إن انتصار أوباما المتوقع هو نتيجة لهذا التغير في صعود القوى العالمية الكبيرة التي صغرت من الوجود الأمريكي المتنفذ، وجعلت من عالم متعدد الأقطاب ضرورة سياسية لتجنب الدكتاتورية العالمية الوحيدة القطب. فالأمر هو في تصاعد قوى التغيير في داخل الولايات المتحدة وفي العالم الخارجي، فقوى التغيير الشعبية الأمريكية وجدت في سياسة اليمين المتطرف الجمهورية قاصمة ظهر لعيشها ولأرواح شبابها، ووجدت فيها قوى التغيير العالمية أنها سياسة سيطرة وإملاء لا تأخذ مصالح الأمم الكبرى بعين الاعتبار. ومع ذلك فإن السياسة الأمريكية المنتصرة لن تتغير جذرياً، فهي تراعي أولاً مصالح الطبقة الرأسمالية الحاكمة، لكنها تكيف ذلك مع المتغيرات العالمية والمحلية، بحيث تكسب شرائح من الطبقة الوسطى الأمريكية ونخب العمال، وسوف تدخل في صفقات وحلول وسط للصراعات الدولية مع روسيا خاصة ومع إيران، بحيث تتجنب سياسة حافة الهاوية والاعتماد الأساسي على الأساطيل الحربية، لكنها ستلجأ إليها إذا لم تجدِ السياسة السلمية. كانت سياسة بوش مكلفة مع اعتمادها على القوة وحدها، وجاء زمن مشاركة الفرقاء الأوربيين والأقطاب، مع وجود سيادة أمريكية بطبيعة الحال، لكون الانتقال إلى المساواة التامة محالا في مثل توازن القوى الراهن. وتجاه العرب فلن تتغير السياسة الأمريكية كثيراً لكون العرب لم يوجدوا لهم قوة مثل الدول الكبيرة، وقيادة طليعية لها ثقل اقتصادي، فهم مهشمون في كلا الحالين.
عبدالله خليفة
أخبار الخليج 4 سبتمبر 2008