ثارث ثائرة الغرب على الاعتراف الروسي بجمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية اللتين كانتا حتى حرب القوقاز الأخيرة تابعتين لجورجيا، رغم أن هذا الغرب ظهر - حتى الآن – قليل الحيلة إزاء الواقع الميداني الذي فرضته روسيا في القوقاز في حصيلة المستجدات التي فرضتها المغامرة الجورجية غير المحسوبة.
الغرب قال في مرافعاته الدفاعية ضد الإعلان الروسي إن وحدة أراضي الدول مبدأ يضمنه القانون الدولي، التي تبدو روسيا اليوم باعترافها بالجمهوريتين الصغيرتين مُنتهكة له. في الجزء المتصل بالقانون الدولي كان منطق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف “الناتو” سيبدو مقنعاً، لولا أن الوقائع تجعل من هذه الأطراف جميعها غير ذات صدقية، حينما تتحدث عن هذا القانون، للدرجة التي تحمل على التساؤل: ما الذي حدث وجعل الدول الغربية تُظهر كل هذا الحرص على القانون الدولي؟
فالولايات المتحدة احتلت العراق البعيد عنها بما لا يُقاس، منتهكة بذلك سيادة بلد مستقل عضو في الأمم المتحدة، على الضد من القانون الدولي بحجة الدفاع عن مصالحها الحيوية، وهي تُكثر على روسيا، الدولة العظمى هي الأخرى حتى لو جار الزمان عليها، أن تدافع عن مصالحها الحيوية في محيط جغرافي لصيق بها وبحدود طويلة مع أراضيها. ولم يظهر الغرب المحتج اليوم على الإعلان الروسي شيئاً من هذه الحمية على القانون الدولي عندما احتل العراق.
الأمر لا يقف هنا فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف “الناتو” وقفت جميعها مع إعلان استقلال كوسوفو منذ شهور فقط، رغم الممانعة الروسية، واعتبرت ذلك الإعلان منسجماً مع إرادة أهالي الإقليم في أن يقرروا مصيرهم ويديروا أمورهم بأنفسهم.
ولو عالجنا الأمر من زاوية قانونية صرفة، بعيداً عن المصالح والاعتبارات السياسية التي ليست خافية عن أولي الألباب، علينا التساؤل عن سر التناقض في مواقف الدول الغربية بتأييد استقلال كوسوفو من دون أن ترى فيه مساساً بمبدأ وحدة الأراضي، وترى العكس في اعتراف روسيا بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.
لا يدور الحديث هنا عن مبادئ في القانون الدولي مُست أو انتهكت، إنما عن لعبة كبرى للأمم المتصارعة، في واحد من الصراعات التي بدت، حتى حينٍ قريب كامنة أو ربما مؤجلة، قبل أن يؤدي طيش الرئيس الجورجي الغر إلى الدفع بها إلى مقدمة الصدارة. وفي هذه اللعبة رمت روسيا بالقفاز نفسه في وجه الغرب، حين قرر ثنائي بوتين – ميدفيديف مدعومين من الجيش والاستخبارات في روسيا أن يحملا الغرب على تجرع الكأس المرة التي سبق لهذا الغرب أن حملها على تجرعها أكثر من مرة مستغلاً حالة الضعف التي كانت فيها في العقود الماضية.
الأيام 2 سبتمبر 2008