من الواضح أن الرأسمال الاجتماعي في الدول النفطية يتوجه معظمه للرأسمال التجاري (بضائع مختلفة)، ثم الرأسمال المالي؛ مؤسسات بنكية، وصرافة، وتحويلات للمحافظ النقدية الغربية والشرقية، ثم الرأسمال العقاري، والأقل للرأسمال الصناعي. لا توجد إحصائيات دقيقة واسعة بهذا الصدد، ولكن النظرة التقريبية تشير إلى تضخم الجوانب غير الإنتاجية، فهي تحتلُ قاعدةَ الهرم الاقتصادي، وهذه ظاهرة حتمية تعود لطبيعة سلعة البترول وتاريخها في المنطقة.
وذلك بسبب خروجها اللاطبيعي، وغير الناتج من تطور البنية الاقتصادية العربية، ثم في هيمنة الإقطاع على تطورها ومداخيلها واتجاه مداخيلها. ترسل شركةٌ إيطالية صانعة لليخوت بإعلاناتها للسكان في دول الخليج، وتظهرُ التوسعَ الكبير في شراء اليخوت المخصصة للترفيه، والأمر غير ذلك في سفن وقوارب الصيد. وقل عن ذلك في استيرادات البلاط والعطور وأدوات الزينة والسيارات الفارهة، بل إن بعضهم يستورد سجائره الشخصية من دول غرب أوروبا. ويؤدي ذلك إلى سيادة الاتجاهات الاقتصادية غير الإنتاجية، عبر البذخ الكبير للحكومات والمسيطرين عليها، ثم في تدفق الرساميل نحو التجارة والعقار والصرافة وتلعبُ التحويلاتُ المالية للغرب دوراً هائلاً في ترسيخ طبيعة التبعية وعدم إنتاجية الابنية الاقتصادية. وما يحددُ سلعةَ البضاعةِ البترولية هو المستهلكُ لا المنتج، فهو مصدرُ اكتشافِها وحركتها النقدية والتقنية، فهذا المركزُ الغربي الإنتاجي يهيمنُ على الظاهرة النفطية، يحددُ قيمتَها وسعرَها وتطورَ الأبنية الاجتماعية التي انبثقتْ فيها. فهو يكرسُ طبيعةَ هذه الأبنية الاستهلاكية ويبدأ ذلك اقتصادياً ثم يتوالى سياسياً وعسكرياً وثقافياً، ويحدث ذلك وطنياً ثم يتدرجُ إقليمياً. ويخضعُ نموُ السعرِ النفطي لسيطرة الغرب، على المستويين العالمي والتاريخي، فنمو السعر يعود بفوائده إليه، عبر ضخ السلع المصدرة منه، التي تكرس الطبيعة الاستهلاكية البذخية، وتتحدد مالياً بهيمنة الرأسمال المالي، حيث تقومُ البنوكُ بضخ النقد إليه، فتغدو البلدانُ النفطية حصالةً كبيرة، تؤدي دور تطوير رأسماليه الصناعي والتقني، حيث يقوم الأولُ بإدخالِ النقد في الصناعة ويقومُ الثاني بتكوين الاكتشافات وتسريع الصناعة. وحتى ارتفاع أسعار النفط لا تعوق الغرب وتنميته الكبيرة، يقول أحد الباحثين(توجد دراسات عديدة على هذا الصعيد، ومنها مثلاً ما أكّده معهد بحوث الطاقة الفرنسي في باريس في نهاية عام 1999م؛ إذ أكّد أنّ رفع أسعار النفط الخام من المعدلات المتدنية التي كان عليها من قبل، إلى ما يعادل 28 – 30 دولارًا، لا يؤثّر سلبيا في نسبة النمو الاقتصادي في الدول الغربية بأكثر من واحد في المائة (1%).. فمن أين تأتي تلك الضجة «السياسية« الكبرى، على مستوى مسؤولين كوزير الطاقة الأمريكي وليس على المستوى الإعلامي فقط، التي تقول إنّ الأسعار الحالية يمكن أن تشكل خطرًا على الانتعاش الاقتصادي في الدول الصناعية ؟)، نبيل شبيب، موقع إلكتروني، إسلام أون لاين. وعبر عقود اكتشاف وصناعة النفط تمكن المصدر الإنتاجي الغربي من الوصول إلى الثورة المعلوماتية، حيث غدت الصناعات المعلوماتية هي عصب التطور الصناعي، ومن هنا قام الغربُ المنتجُ بفكِ أسر الصناعات البتروكيماوية التي غدت صناعاتٍ متدنيةً ملوثةً وما يشبهها من صناعات، فقامت الدولُ النفطيةُ بتحملِ أعبائها، لأنها عاجزة عن اللحاق بمستوى الإنتاج العالمي المتطور، بسببِ أبنيتها الاقتصادية – الاجتماعية – الثقافية التي لا تستطيع القيام بهذه القفزة نحو الصناعات الإلكترونية عصب الثورة التقنية المعاصرة، فتقوم بتقديم المواد شبه المصنعة للغرب نفسه، الذي كسب تراكم مرحلتين كبريين، مثلما تقدمُ لهُ الفوائضَ النقدية. وإذا كان ذلك يتمظهرُ على مستوى توزيعات رأس المال الكلية، بغلبة القطاعات غير الإنتاجية، وتقزم القطاعات الانتاجية، وكون ذلك يمثل مضخةً نقدية كبرى للرأسمال الغربي الكلي المسيطر، فإن القطاعات العاملة تمثل ذلك على مستويات قوى العمل. حيث تتركز أغلبية قوى العمل في القوى المتدنية وبضعف العمالة الماهرة وصغر حجم العاملة التقنية العليا. وهكذا فإن البترول الذي تحول من بضاعة مباعة بأثمان متقلبة إلى مداخيل حسب مواقع الدول وسياساتها الاجتماعية، فإنه صعّد قوى البيروقراطيات الحكومية وجماعاتها وواجهاتها، التي امتلكتْ أكبر المداخيل ووظفته في الخارج الذي راح يتآكل كذلك على المستوى البعيد، ثم هناك القوى التجارية المتنفذة المتداخلة معها التي استفادت من هذا الفيض النقدي،(تصاعدت في هذه الفترة نظرياتُ الفيض الدينية والصوفية)، وتأتي بعدها القوى التجارية المستقلة، وقوى الصناعة الوطنية التي تعاني الأمرين، وأغلب تلك وجهت المداخيل الضخمة نحو تلك الجوانب غير الإنتاجية. ثم لاحقاً توجهت نحو الجوانب الإنتاجية في الصناعات التحويلية، عبر المتاجرة وتصنيع الخامات واستغلال الطاقة الكبيرة الرخيصة. وينعكس ذلك سياسياً بضخامة الهياكل الحكومية البيروقراطية وهي تمثل نزفاً آخر للثروة، ولكن ذلك لا يبدو حالياً بسبب وفرة النقد النسبية. ومن هنا كذلك كانت ضخامة العمالة المهاجرة (بين 15 و 16 مليونا)، وهي التي تقوم بضخ نسبة كبيرة من أجورها نحو الخارج كذلك، لكن في جهات شرقية على الأغلب. لا نستطيع أن نتوغل في العلاقة الدقيقة بين القطاعات الاقتصادية المختلفة، وكيفية النمو المستقبلي، لكون ذلك يحتاج إلى دراسة ملموسة. وتبدو غلبة الطابع غير الإنتاجي كذلك في مستويي الوعي والثقافة، فنجد شكلنةً للإسلام، وفقهاً خارجياً سطحياً، يعكس القوى البيروقراطية السائدة ذات المداخيل المرتفعة التي تحرك الحياة بهذا الاتجاه، وهي تجعله كذلك مصدراً للتوظيفات المالية أيضاً، فتوسع من الرأسمال النقدي الديني. (انتهى)
صحيفة اخبار الخليج
3 سبتمبر 2008