في كثير من الاحيان ما تستند التعيينات الوزارية في عالمنا العربي ليس على ضمان وكسب ولاء الوزير الذي وقع عليه الاختيار للقيادة السياسية فحسب، بل لما يتمتع به من شهرة ونجومية ما في أي مجال برز فيه من المجالات الثقافية والعلمية وحتى الرياضية والفنية، دونما الأخذ بعين الاعتبار بمدى ما يتمتع به من كفاءة وقدرات ذاتية في الثقافة السياسية وفي الادارة والتنظيم الاداري ولذا فإن ثمة امثلة عديدة على فشل واخفاق الوزراء العرب الذين تتوافر فيهم الشهرة والنجومية في المجال الذي برزوا فيه دونما ان يتمتعوا بمقدرة ومواهب كافية في الثقافة السياسية العامة والقدرة على الادارة الناجحة في ادارة المؤسسة الوزارية، فيكون حصاد انجازاتهم كارثياً او دون الحد الادنى المقبول ناهيك عما يشوب سير العمل الاداري في وزاراتهم من ارتباك وتخبط يلمسهما ليست الجهات العليا المعنية بالرقابة الادارية او السلطة التشريعية او الصحافة، بل عامة الناس.
وبطبيعة الحال من المفهوم التفتيش في مدى ضمان ولاء أي وزير للقيادة عند التشكيل الوزاري في أي دولة عربية كالولاء للحزب الحاكم المكلف بتشكيل الوزارة أو القيادة السياسية الذي تعينه لكن شريطة ان تتوافر فيه على الاقل الصفات الادارية والفنية التي تؤهله بجدارة للمنصب الوزاري الذي أسند إليه وليس فقط ضمان ولائه للحكومة او لقائد الدولة الذي عينه، او استناداً لنجوميته في المجال الذي برز فيه كالرياضة او الفن التشكيلي او الموسيقى او الهندسة او الطب او الاقتصاد.. الخ. وعلى العكس من ذلك ففي الدول الديمقراطية المتقدمة وعدد من الدول الاوروبية، فإنه في بعض الحالات يكون التركيز على كفاءة الوزير من حيث الناحية الادارية والثقافية العامة أكثر من مدى تخصصه العلمي أو الاختصاصات التي تختص بها وزاراته. وهكذا وجدنا في كثير من الاحيان ما يسند للمرأة حقيبة وزارة الداخلية بل حتى وزارة الدفاع دونما ان تكون المرشحة بالضرورة منتسبة لهاتين الوزارتين او تدرجت الى مرتبة عليا من سلم المراتب والدرجات العسكرية وان كان بطبيعة الحال عدد من الوزارات يشترط فيها او يستحسن تخصص الوزير المعين بمجال اختصاصات الوزارة التي عين لها. ولا شك في أن الطامة اكبر حينما يعين وزير في العالم العربي يفتقد الى المقدرة والكفاءة في تنظيم وقيادته مؤسسته الادارية الوزارية ومع ذلك يتربع على كرسيها لسنوات طويلة، وبخاصة انه في عالمنا العربي من النادر ان يعترف الوزير بفشله ليترجل من على كرسي وزارته ما لم يزح بقرار سياسي، او يبقى مخلداً في كرسي الوزارة ولا يخرج منه إلا للقبر، اذا ما سنحت له الفرصة وابتسم له الحظ السعيد للتمتع بهذه الاطالة الابدية. قبل فترة وجيزة زفت لنا اخبار اوروبا عن وزيرة ثقافة باحدى الدول السكندنافية، ان لم تخني الذاكرة، احتفلت باستقالتها من الوزارة بالغناء حيث كانت نجمة من نجوم الطرب في بلادها. ومنذ شهور خلت من العام الجاري نجح وزير الثقافة البرازيلي في الاستقالة من منصبه بعد محاولتين سابقتين فاشلتين احبطهما الرئيس لويس لولا ديسلفيا. والمعروف عن الفنان جلبرتو جيل بأنه فنان موسيقي شهير سبق ان حاز جائزة «غرامي« العالمية وقام بتطوير الموسيقى البرازيلية، ويُعد رائداً لحركة التروبوكاليزم الموسيقية المناهضة للفاشية الحاكمة، وقد سُجن مع رفاقه في هذه الحركة من قبل الدكتاتورية العسكرية خلال الفترة 1964-1985م، ثم عاش في المنفى بلندن حتى عام 1972م. وبعدما سئم الوزير الفنان جلبرتو جيل من روتين العمل الاداري الوزاري وما واجهه من صعوبات مالية ادارية تلبي طموحاته وخططه لتطوير وزارته، بالرغم بأنه لم يبق في كرسي الوزارة أكثر من 4 سنوات، علق في مؤتمر صحفي غداة استقالته بعبارة بليغة لتفسير استقالته: «لقد دربت حنجرتي على الغناء الملتزم وليس على القاء الخطب السياسية«. وفي عالمنا العربي كم خسر أحد وزراء الثقافة العرب المعمرين على كرسي الوزارة لتركه مرسمه كفنان تشكيلي كبير ولم يبد طوال مكوثه الطويل في وزارته أي حنين أو اشتياق صادق إلى محراب مرسمه الفني الذي هجره. وها هو الآن يستعد للترجل من على صهوة كرسي الوزارة، بعد مضي نحو ربع قرن فيه، لا للعودة الى مرسمه والاستعداد لمواصلة ابداعاته، إن لم تنضب وهو في خريف عمره، بل للدخول في سباق ماراثوني جديد بدعم من دولته للفوز بكرسي رئاسة «اليونسكو«.
صحيفة اخبار الخليج
3 سبتمبر 2008