سيظل يوم التاسع والعشرين من شهر أغسطس يوماً مضيئاً في سماء الحرية.. ماثلاً في ضمائر المناضلين.. حيا في وجدان طالبي الحرية والكرامة الإنسانية في كل مكان.. سيظل هذا اليوم المقدس مقروناً باستشهاد أحد أقطاب وعمالقة المناضلين الحقيقيين الذين آلوا على أنفسهم ألا يرتضوا سوى الحياة الحرة الكريمة لشعوبهم، والحياة الرغدة المجردة من عسف الضيم والذل وتعسف الظلم والاستبداد لأمتهم..
استشهد أحد عظماء هذه الأمة المغبونة.. أحد عباقرة هذه الأمة المظلومة وهو واقف على قدميه إذ سعى هذا المناضل العملاق أثناء حياته وفي استشهاده إلى إعادة كرامتها المستلبة وحقوقها المهدرة.. هو المناضل الفلسطيني والعربي والأممي ناجي العلي الذي استشهد في ساحة الحرية والمجد والشرف.. استشهد ولم يكن يملك من الحياة سوى القيم الأخلاقية الرفيعة، وسوى المبادئ الإنسانية التحررية والأممية، التي ناضل بها ومن أجلها، وفي سبيل انتزاع حريات شعبه العربي المغلوب على أمره، بل حريات شعوب العالم المضطهدة. ومثلما شق الشهيد ناجي العلي سدول الظلام وغياهب التخلف بنهجه ومبادئه.. فإنه ناضل ضد عدوه الصهيوني بشجاعته وبطولاته، حيث احتل هذا العدو، البغيض أرضه.. أرض فلسطين الجريح وشرد شعباً بأكمله واقتلعه من أرضه ووطنه.. بقدر ما خاض الشهيد هذا الفارس الغائب الحاضر غمار المعارك الكبرى بأفكار قلمه وريشته ضد دكتاتورية الأنظمة العربية المستبدة. واحد وعشرون عاماً مضت على استشهاد رفيق المناضلين ورفيق المسحوقين والمضطهدين (أبي خالد).. تمثلت تلك الأعوام في إحدى وعشرين شمعة مضيئة تنير طريق شعب فلسطين المناضل الذي يصنع التاريخ ويصنع المعجزات بنضالات وتضحيات قواه الوطنية والتقدمية. شعب فلسطين البطل الذي كان يستلهم إرادته وعزائمه ولا يزال من معين رسوم أحد قادته وأحد مناضليه شهيد الفكرة والوطن ناجي العلي.. رسوم نضالية خطت وسطرت بريشة «جريئة« انغمست بأغلى مداد، واتسمت بجرأة نادرة قلما تجود بها الأقلام والمجتمعات العربية في هذا الزمن الصعب والرديء على حد سواء. استشهد المناضل ناجي العلي يوم 29 أغسطس عام 1987م على أيدي عملاء الموساد وبتآمر البعض من أقربائه وأمته.. ولكن استشهاده جاء مبعث فخر المناضلين في كل مكان الذين ينحنون في يوم استشهاده إجلالاً لنضالاته وتضحياته. استشهد (أبوخالد) بعد أن ناضل نضال الأبطال خلال درب نضالي طويل واجه عبره احتلال العدو الصهيوني اللقيط من صهاينة يهود الشتات.. بقدر ما كشف عورة مشاريع ووعود الدول الاستعمارية الغازية التي أوجدت هذا الكيان المسخ على أرض فلسطين.. منذ وعد بلفور الأسود في نوفمبر عام 1917م مروراً بالانتداب البريطاني عام 1924م وعملية التحالف الاستراتيجي البريطاني – الأمريكي، منذ إدارة الرئيس الأمريكي (هاري ترمان) حتى رئاسة (بوش الابن) وتواصلاً بالنكبة عام 1948م. ومثلما ناضل الشهيد ناجي العلي ضد سارقي أرضه واحتلال وطنه (العدو الصهيوني والدول الغربية الغازية).. فإنه ظل قابضاً على الجمرة والريشة معاً ففضح من خلالهما اتفاقية كامب ديفيد الاستسلامية الموقعة عام 1979م التي في ضوئها تسابقت الأنظمة العربية إلى عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني من دون خجل وبلا وجل. وبحسب مع ما نسج رفيق الشعوب والمسحوقين والمعذبين أعظم الملاحم النضالية ضد الاتفاقيات الاستسلامية.. فإن ريشته المعبرة بالدم والدموع والعرق، قد سطرت شعار (حنظلة) الطفل الثائر المقيد اليدين والرجلين، وقد تجاهل الحكومات العربية بإدارة ظهره لها غير آبه لها، ولا يعترف بوجودها، ساخراً وممتعضاً استبدادية سياستها، مستاءً من عدم شرعيتها، محتجا على اضطهاد شعوبها. إن شعار (حنظلة) إهانة للحكومات العربية، فإنه أراد أن يخاطبها بخذلانها ويذكرها بخيانتها للقضية الفلسطينية، حينما باعتها بأبخس الأثمان، مقابل هدر كرامتها وافتقاد آخر قطرة من ماء وجهها.. مثلما ينطق شعار (حنظلة) بصريح العبارة بأن الأنظمة العربية الرسمية هي أساس البلاء في ترسيخ الانقسامات وتعزيز مظاهر التشظي والتشرذم وتكريس الهزائم والانكسارات.. لكنها أي «الحكومات العربية« قد استأسدت على شعوبها بحسب ما يسترسل (حنظلة) في مصادرة حرياتها وتهميشها في ظل غياب الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية والحريات العامة. ومثلما تغيب الديمقراطية في الوطن العربي، فإنه يقابل هذا التغييب حضور الأنظمة الأمنية والقوانين والأعراف البوليسية حينما تقوم أجهزة الاستخبارات بملاحقة المناضلين من المعارضين السياسيين والرموز الوطنية لحركات التحرر الوطنية، مقرونة تلك الملاحقات بفتح السجون والمعتقلات التي يزداد عددها مع كل عام جديد.. ويفوق عددها عدد المستشفيات والمدارس والجامعات والمؤسسات التربوية والثقافية ليواجه أولئك المناضلون ويلات السجون وظلمات الزنازين والمعتقلات. وحسبما تشد هذه الشعوب العربية المضطهدة الأحزمة على البطون، فهي تعاني مصادرة حرياتها بتكميم الأفواه أيضا. شعار (حنظلة) للشهيد المناضل ناجي العلي بحسب ما ينطق بجرائم الغزاة الصهاينة وعملائهم وزبانيتهم المحتلين لأرض فلسطين الجريح، وباستبداد الحكومات العربية لشعوبها ومجتمعاتها فإن (حنظلة) يذكّر العالم قاطبة بل أحيا الذاكرة العربية والإنسانية بصدق نبوءة المناضل الشهيد الغائب الحاضر (أبي خالد) بانطلاقة وإشعال انتفاضة أطفال الحجارة عام 1987م، التي نسجت ملحمة من أعظم ملاحم التضحية والبطولة والنضالات المقدسة ما يعجز عن نسجها الرجال. انتفاضة أطفال الحجارة الخالدة هي امتداد للبيان الأول رقم (1) الصادر في شهر مايو عام 1967م لمنظمة شباب الثأر التي قدمت أول شهدائها في 2 نوفمبر 1964م، وامتداد للبلاغ العسكري رقم (1) للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول عملياتها الفدائية في الأرض المحتلة في 21 ديسمبر 1967م. فسلام لتلك الكوكبة المناضلة الشريفة من الشهداء، شهداء فلسطين المناضلة، وطوبى للمناضل الفارس ناجي العلي في الذكرى الحادية والعشرين لاستشهاده، في يوم سيظل مضيئاً في سجل الخالدين مثلما سيبقى محفوراً في ذاكرة المناضلين وصخرة الزمن .
أخبار الخليج 29 أغسطس 2008