ضمن اللوحة أو الخريطة السياسية – الاجتماعية في البحرين الحديثة، فإن ما اصطلحنا على تسميته بالتيار الوطني – التقدمي يشكل محوراً من محاور النشاط السياسي، لا بل والاجتماعي – الثقافي الذي طبع المجتمع منذ منتصف القرن الماضي. ولا يمكن دراسة التحولات التي شهدها هذا المجتمع على الأصعدة شتى دون التوقف أمام الدور الذي لعبه هذا التيار الذي عمل على استقلال البحرين وتطورها الديمقراطي وتحديث البنى الاجتماعية والسياسية، ويمكن تلمس انعكاسات مثل هذا الدور في حقول الإبداع المختلفة، في الآداب والفنون والثقافة عامة.
وإلى الرموز الثقافية والإبداعية وثيقة الصلة بهذا التيار أو التي تلقت خبراتها الأولى في صفوفه، يعود الفضل في السمعة الطيبة التي تتبوأها البحرين اليوم على الصعيد الثقافي والإبداعي، خليجياً وعربياً وحتى عالمياً.
على أن أهم ما يميز هذا التيار هو »لا طائفيته«، فالخطاب الذي بلوره هذا التيار على مدار أكثر من نصف قرن ساهم في شد لحمة النسيج الوطني في البحرين، أنه خطاب انحاز للوطن وللشعب بكامله مغلباً الوعي الاجتماعي الجديد على أشكال الوعي السابقة، التي تغلب خطاب الطائفة على الخطاب الوطني العام أو المشترك.
وفي الوقت الذي لم تستطع أشكال الخطاب الأخرى، حتى تلك التي نشطت في العقد أو العقدين الماضيين، أن تتخطى الإطار الطائفي، فإن هذا التيار ظل يعكس في قوامه صورة البحرين كبلد وكشعب فيه من التعدد والتنوع الذي يحتويه نسيج وطني عام، ولم يقع هذا التيار للحظة في الالتباسات الطائفية والمناطقية.
ثم أن المشروع أو البرنامج الذي عمل هذا التيار في سبيله مشروع تحديثي، فهو صاغ خطاً يدعو لتحديث بنى المجتمع والفكر ما يتلاءم وروح العصر، ولم يتردد في مواجهة ما يظنه عائقاً أمام شق طريق التحديث للبلاد، وكان عليه في أحوال كثيرة أن يصطدم بمعوقات كثيرة ويقدم تضحيات ويتعرض لحملات تشهير من هنا وهناك..
رغم ذلك فإن كثيراً من تصورات هذا التيار التي كانت في وقت لاحق تسبب جدلاً ومعارضة باتت اليوم إحدى مسلمات المجتمع والدولة، وأشير هنا خاصة إلى دور المرأة وإدماجها في المجتمع وفي المشاركة السياسية الكاملة. والإنصاف يقتضي القول أن ما بلغته المرأة البحرينية هو حصيلة تحول عميق في وعي المجتمع كله بفضل مثابرة المرأة نفسها وبفضل خدمات التعليم والصحة وسواها، وأخيراً بفضل المشروع الإصلاحي الذي ضمن المشاركة السياسية للمرأة.
لكن يظل أن الدور الذي اضطلع به التيار الوطني التقدمي في الدفاع عن حقوق المرأة وفي إشراكها في الحياة السياسية والنشاط المجتمعي دور مهم، خاصة من خلال قنوات العمل الجماهيري كروابط واتحادات الطلبة والجمعيات النسائية والأهلية الأخرى.
هذا التيار الذي يشكل – كما بدأنا – محوراً من محاور النشاط السياسي لا بل والاجتماعي – الثقافي، هو نفسه عبارة عن طيفٍ بألوان متعددة، وإن كانت متقاربة وعلى صلة من القربى وطيدة. إنه يتفق على خطوط عريضة رئيسية، ولكنه استند في مراحل سابقة إلى مرجعيات فكرية – فلسفية عكست فسيفساء الفكر السياسي العربي.
صحيفة الايام
26 اغسطس 2008