المنشور

الطفرة المالية والإصلاح الاقتصادي


عدد العاملين في الحكومة يزداد يوماً بعد يوم، ومعاشات الموظفين (المدنيين والعسكريين) تستحوذ على نحو 80 في المائة من موازنة الحكومة… والحكومة تعتمد في وارداتها على النفط بنسبة مماثلة، وهذا يعني أن النفط حالياً يستخدم لصرف معاشات موظفي الدولة. وفي حال انخفض سعر برميل النفط فإن مشكلة ستحل بالموازنة شبيهة بما حدث في ثمانينيات القرن الماضي عندما انخفض سعر النفط وأدى ذلك إلى مشكلات اقتصادية واجتماعية وسياسية جمة.
 ولو نظرنا إلى النسب المئوية في الصرف الحكومي فإن نحو 44 في المئة من الموازنة يصرف على الأمن والدفاع (مقابل نحو 10 في المئة في البلدان المتقدمة سياسياً واقتصادياً).

وبحسب التقارير المنسوبة إلى صندوق النقد الدولي فإن ارتفاع سعر النفط «أدى الى زيادة إجمالي فائض الحساب الجاري لدول مجلس التعاون الخليجي الى أعلى مستوى له على الإطلاق». وهذا سمح بنمو كبير آخر في ثروات المنطقة الهائلة من صافي الأصول الأجنبية التي تقدر الآن بنحو تريليوني دولار. وقدر صندوق النقد ارتفاع الفائض المالي (مقارنة مع العام الذي سبق) في دول التعاون بـ 21 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2008، كما قدر زيادة السيولة المحلية الخليجية بنسبة 17.4 في المئة (البحرين 21.8 في المئة)، والدخل القومي الخليجي يزيد حالياً على 1.1 تريليون دولار (وهو رقم مرتفع جداً).

عندما طرح مشروع إصلاح سوق العمل في 2004 كانت الأوضاع الاقتصادية ليست بالشكل الموفور الذي هي عليه حالياً، وكانت الإحصاءات تتحدث عن قطار مملوء بالعاطلين يسير بسرعة للاصطدام بواقع اقتصادي غير مستعد لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الشباب الباحثين عن عمل. ولكن، ورغم عدم تغير الهيكلية الاقتصادية، فقد أدت الطفرة المالية الحالية غير المسبوقة إلى تأخير وتسويف برامج الإصلاح الاقتصادي، في حين إن الاختصاصيين يشيرون إلى أن استمرار الحال الذي نحن عليه ليس مضموناً. ولذا فإن الطفرة المالية يجب أن تستغل في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الصعبة، وليس في تأخيرها؛ لأن الوفرة سرعان ما ينتهي زمنها لنعود مرة أخرى الى وضعنا السابق.

إن المال المتوافر حالياً لدى الدولة يمكن الاستفادة منه في رفع مستوى المعيشة، وفي تحقيق عدالة اجتماعية، وفي تأسيس بنية تحتية لتنمية بعيدة المدى، وفي تحويل بلدنا الى ما هي عليه الدول المتقدمة من مختلف النواحي.
 ففي البلدان الأوروبية تصرف الحكومة نحو 30 في المئة من موازنتها للحماية الاجتماعية عبر دعم الفئات الضعيفة مالياً بهدف رفع مستواها الى مستوى الطبقة المتوسطة وإشراكها في العملية الاقتصادية، بينما تصرف الباقي على الرعاية الصحية والتعليم المتطور والقطاعات التي تنمي المجتمع والاقتصاد، وهو أمر نستطيع القيام به مع توافر العزيمة والعمل الجماعي المشترك.

الوسط 20 أغسطس 2008