قال ميخائيل غورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفييتي كلاماً حكيماً وهو يتحدث عن الحرب بين بلاده روسيا وجورجيا، مُنحياً باللائمة على الولايات المتحدة في اندلاع الحرب، بسبب ما شعر به قادة جورجيا من دعم خارجي، خلق لديهم حالاً من الغرور دفعت بهم للإقدام على مغامرتهم ضد اوسيتيا الجنوبية رغبة في إخضاعها بالقوة. واستخدم غورباتشوف مفردات كتلك التي يتحدث بها الرئيس الروسي ميدفيدف ورئيس الوزراء بوتين، وهو يشرح كيف بدأت القذائف الثقيلة تتساقط على عاصمة اوسيتيا الجنوبية، ما أدى إلى تدمير المستشفيات والاتصالات والبنية التحتية. مضيفاً: »لقد استخدموا أسلحة حديثة ومتطورة لقتل أناس كانوا نائمين في مدينة صغيرة«. برأيه أن النتيجة الحتمية للعسكرة وزيادة الميزانيات العسكرية هي الحرب، لأن الأسلحة المتكدسة سوف تنطلق في يوم ما، وهذا ما حدث مع جورجيا التي حازت على جبال من الأسلحة، حيث زودها الغرب بمعدات متطورة وحديثة وطائرات وأسلحة برية. وتساءل غورباتشوف: »هل كان رئيس جورجيا ساكاشفيلي سيقوم بما قام به لو لم تكن لديه حماية من الغرب«؟ يصح التساؤل عن المشاعر التي تنتاب غورباتشوف حالياً، وهو يرى ما يرى، حيث غدا ممكناً ما كان مجرد التفكير به مستحيلاً من قبل أية قوة كانت، داخل الاتحاد السوفييتي أو خارجه، يوم كانت هذه الدولة تشكل القطب الثاني في العالم، وكانت تلويحة أصبع من أحد قادة الكريملين في استعراض القوة بالساحة الحمراء أمام الكريملين كافيةً لأن تجعل مَن في البيت الأبيض و»البنتاغون« يحسب لها ألف حساب. فإذا بنا نرى أن جمهورية صغيرة، وربما مغمورة، من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، مثل جورجيا، تتنطح للتحرش بالدب الروسي العملاق، مستقويةً بالدعم الخارجي. هل يشعر غورباتشوف بالندم للمصير الذي آلت إليه القوة العظمى التي كان على رأسها؟ وهل يشعر بمسؤوليته الشخصية في الذي جرى، لأنه أساء التقدير وهو يهد المعبد على من فيه بحجة الرغبة في إصلاحه؟ كان بوسع البريستريوكا التي دعا إليها، أن تحقق أهدافها في الإصلاح لو أنها سارت بإيقاع آخر، غير أن عبارات المديح المسمومة التي أطنبت تاتشر وريغان في كيلها لغورباتشوف ومظاهرات التأييد التي حُشدت له في عواصم الغرب التي زارها أسكرته، فصار همه الأساسي نيل رضا الغرب، وكان ما كان، فأتى بعده يلتسين ليهين روسيا، كما لم يفعل أحد، ويجعلها مستباحة من الغرب ومن اللوبي الصهيوني الداخلي المدعوم منه. هذا الاستنفار الأمريكي، والأطلسي عامة، ضد روسيا، ويمكن أن نضيف إليه استنفار إسرائيل أيضاً يشير إلى أن ما لم يعره غورباتشوف الاهتمام، يوم كان زعيماً للكريملين، وهو أن الغرب لا يمكن الا أن يكون وجلاً تجاه روسيا، لأنها تمثل سياقاً ثقافياً وتاريخياً وحضارياً مختلفاً. ومع أن الحرب الباردة انتهت، أو هكذا يفترض، بتفكك الاتحاد السوفيتي، ألا أن أساليب هذه الحرب تنبعث مجدداً، حين أظهر ثنائي بوتين- ميدفيدف الحزم الضروري بوجه مساعي الإذلال الغربية.
صحيفة الايام
21 اغسطس 2008