المنشور

إيران و”أبوموسى”والتحديات الخارجية

من نافلة القول ان جمهورية ايران الاسلامية تمر الآن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً بأخطر مرحلة من المراحل التاريخية الصعبة التي مرت بها على الإطلاق منذ تأسسها قبل نحو 30 عاماً. فسياسياً ثمة أزمات ومشاكل متفاقمة داخل النظام السياسي القائم نفسه، كما يتجلى ذلك في الصراع ليس فقط بين جناحيه المعتدل والمتشدد، بل وفي العزلة المتزايدة التي يواجهها داخلياً وخارجياً. على الصعيد الداخلي فلعل أبرز جوانب الازمة العامة تتمثل في تفاقم الازمة الاقتصادية والمعيشية التي تعصف بحياة السواد الاعظم من الشعب الايراني (75 مليون نسمة) فضلاً عن تململ فئات اجتماعية واسعة من تصاعد التضييق على الحريات العامة والشخصية، وزيادة التشدد والغلو الديني في ظل الرئيس الحالي احمدي نجاد. أما دولياً فلعل ابرز عنوان للأزمة يتمثل في «الملف النووي« الذي مازالت طهران عاجزة في ادارة دبلوماسية مرنة محنكة تبدد ظنون وشكوك المجتمع الدولي بعدم سعيها الى التسلح النووي. وايران بلا شك دولة مهمة وجارة لبلدان الخليج العربي التي تربطها بهذا البلد علاقات تاريخية دينية واجتماعية واقتصادية عريقة. وإذ تواجه ايران تهديدات تارة مبطنة وتارة اخرى صريحة بتوجيه ضربة عسكرية تأديبية انتقامية فإن الشعب الايراني ليس وحده الذي تستبد به مشاعر القلق من المصير المجهول الذي سيواجهه في ظل اشهار العقوبات العسكرية التي تلوح بها الولايات المتحدة بل وتشاطر الشعب الايراني شعوب المنطقة في هذا القلق. ذلك بأن بلدان الخليج جمعاء ستتأثر حتماً بخيار عسكري متهور كهذا. واذا كانت مسؤولية ابعاد شبح أي حرب جديدة عن المنطقة تقع على عاتق جميع بلدان حوض الخليج العربي فذلك لا يعني ان المسؤولية متكافئة بين جميع هذه الدول، إذ ان ايران الآن باعتبارها احد الاطراف الرئيسية في الازمة وهي البلد الأول المهدد عسكرياً بتوجيه ضربة عسكرية له تتحمل مسؤولية كبرى في حمل المجتمع الدولي أو القوى الدولية للضغط على واشنطن باستبعاد هذا الخيار الطائش. كما ان طهران مسؤولة بصفة خاصة عن بذل كل مساعيها الممكنة لتعزيز تدابير الثقة وحسن الجوار مع جاراتها لحفظ أمن واستقرار المنطقة في هذه الظروف الدقيقة. لكن للأسف فإن ايران وهي تواجه كل تلك التحديات الداخلية والخارجية المتفاقمة تفتح، بوعي منها او بدون وعي، جبهات متعددة هي في غنى عنها داخليا وخارجيا، ولعل ابرز تجليات المشاكل التي تخلقها طهران لنفسها على صعيد الوضع الاقليمي تدخلها الفظ المكشوف في شؤون جارتها الكبرى العراق، والى جانب ذلك فإن ايران وبدلاً من طمأنة جيرانها بحسن نواياها فإنها تثير بين الفينة والاخرى مواقف تسهم بقصد او بدون قصد في اثارة الشكوك في نواياها. ولعلنا نتذكر بعض هذه المواقف شبه الرسمية ومنها ما اثارته صحيفة مقربة الى مرشد الجمهورية العام الماضي من دعاوى بتبعية البحرين الى ايران وتسيير قبل اسابيع مسيرات امام احدى السفارات مستنكرة لتسمية الخليج بـ «الخليج العربي« لا «الخليج الفارسي«، وكما دأبت طهران على ان تقوم الدنيا ولا تقعدها أينما وردت هذه التسمية، مثلما ترتعد فرائصها ايضاً لأي بيان يصدر عن قمة التعاون يؤكد ولو بشكل ملطف او على استحياء على تبعية الجزر الاماراتية الثلاث المحتلة للإمارات. ولعل آخر هذه المواقف او الاجراءات المثيرة للاستفزاز والتي صدرت عن طهران ما قامت به في جزيرة ابوموسى الاماراتية المحتلة بإنشاء مكتبين اداريين، وهو اجراء يُعد خرقاً صريحاً لمذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين والتي لا تخول ايران ممارسة أي اجراءات في الجزيرة هي من صميم الاجراءات التي تمارسها دولة ذات سيادة على الجزيرة. واذا كانت الامارات، الدولة صاحبة السيادة المشروعة على «أبوموسى« قد بادرت على الفور بالاحتجاج على الاجراء الايراني المذكور، كما دعا برلمانها «المجلس الاتحادي« سلطات الاحتلال الايرانية الى ازالة الانشاءات الاخيرة التي اقامتها على الجزيرة، ووجه نداء الى برلمانيي العالم الى مساندة الامارات في استعادة جزرها الثلاث، فمن باب اولى ان تبادر دول مجلس التعاون كل على حدة باصدار موقف صريح رسمياً يبدي هذه المؤازرة والتعاون القوي مع الامارات، ويؤكد حقها المشروع في استعادة جزرها الثلاث، ولا يكتفى فقط بالموقف الاستنكاري الذي صدر عن الامين العام لمجلس التعاون مؤخراً. كما من الاهمية بمكان ان تبادر كل البرلمانات العربية وفي مقدمتها برلمانات ومجالس شورى دول مجلس التعاون بتلبية نداء البرلمان الاماراتي بابداء المساندة القوية لحق الامارات المشروع في استعادة جزرها الثلاث. لقد قلنا مراراً إنه ينبغي على مجلس التعاون وعلى دوله ان ترتقي بمواقفها تجاه مسألة احتلال ايران للجزر الاماراتية الثلاث الى موقف يجمع بين المرونة والحزم لكي تدرك طهران جيداً دول مجلس التعاون هذه المسألة المصيرية كمسألة مقدسة وغير منسية لدى دولة الامارات بوجه خاص ولدى دول مجلس التعاون بوجه عام. وبدون ذلك فستظل ايران تواصل فرض سياسة وتكريس الامر الواقع لاحتلالها الجزر بل واضفاء المشروعية على هذا الاحتلال بل ستتجرأ باستنكار من يندد باحتلال الجزر كما دأبت ان تفعل مع كل بيان هلامي فضفاض خجول يصدر عن مجلس التعاون منذ سنين بعيدة.
 
صحيفة اخبار الخليج
20 اغسطس 2008