المنشور

البترول رأس مال العرب (14)

ادت الصراعات المتنوعة ضد شركات النفط إلى تغير العلاقة بين الدول المنتجة وهذه الغوريلات العالمية، فتنوعت صيغ الكفاح والمشاركة في مصادر الإنتاج وأشكال الملكية، حتى تم انتقالها إلى ملكية الدول المنتجة كلياً أو جزئياً. لكن تبدل(شكل) الملكية ليس هو بالضرورة تحويل عميق في علاقات الإنتاج البترولية، التي ليست هي السيطرة على ملكية الآبار بل وحتى تملك الفائض بصورة كبيرة، فتظل الملكية شكلية، كما أن الفائضَ هو مجموعةُ نقودٍ سائلةٍ أو مجمدة، قيمتها الكبرى العميقة في مدى عودتها لرأسِ المال المُنتج وتوسعهِ، وبتغلغلِ أشكالهِ في الأرض والاقتصاد. وحتى عملية التملك كانت متدرجة صعبة حيث انتقلت من المشاركة إلى المناصفة، فأدى مبدأ المناصفة إلى توسيع دخل البلدان المنتجة،(فزادت مداخيل بلدان الشرق الأوسط من تصدير النفط من 24 سنتاً للبرميل سنة 1950 إلى 66 سنتاً في عام 1954 و 82 سنتاً في 1967) ويضيف بريماكوف(لكن أصحاب الأراضي الأمريكية والتي لا تقارن بالأراضي الواقعة في الشرق الأوسط يحصلون ريع مقداره 63 سنتاً). علينا هنا أن نرى العملة ليس كشكل خارجي بل كجزءٍ من المضمون السلعي، فهنا ليس التومان الإيراني ولا الريال السعودي ولا الدينار الكويتي، بل السنت الأمريكي. وستكون العملةُ، وهي مستوى آخر معقد من التركيب الاقتصادي، لها حصتها في عملية الاستغلال. لقد مثل عقد السبعينيات من القرن الماضي العقد الذي جرى فيه الصراع الطويل والمرير لتغيير الاتفاقيات القديمة المجحفة، التي لم يكن من الممكن تغييرها إلا عبر صراعات طويلة بين الدول النفطية والاحتكارات النفطية، فكان قيام منظمة أوبك لوحده مسألة معقدة وصعبة، وحين تكونت اتفقت على قواعد هزيلة لكنها كانت تبدو في ذلك الحين سياسة ثورية، فقد اتفقت على الحد من سيطرة الرأسمال الأجنبي، وحق الدول في مشروعات مشتركة مع شركات النفط، وإعادة كافة الأراضي التي لم يتم فيها التنقيب، وأن تحدد أسعار الأساس من قبل حكومات دول النفط وأن تحدد الحكومات النفطية أشكال المحاسبة الخ..، ورفضت شركات النفط هذا بعداء قوي، ثم تدرجت الحكوماتُ في انتزاع حقوق الدول المنتجة، فطالبت السعودية برفع حصتها في ارامكو من 25 إلى 51، ورفضت أرامكو مس آبارها القديمة، وتكتلت دول أوبك لتغيير أحجام ملكيتها وفي بيع النفط المستخرج وتوصلت إلى اتفاقيات جزئية إلا أن الصراع ازداد حدة. خلال الفترة الواقعة بين عامي 1974 ـ 1976 قامت كل من الجزائر والكويت والعراق والامارات العربية المتحدة وقطر بتأميم أهم الامتيازات الاجنبية على أراضيها تأميماً كاملاً، فبدأت حقبة جديدة من التاريخ النفطي في المنطقة، ومن التطور السياسي ومن التطور الاجتماعي كذلك. لكن ثمة هوةٌ كبيرة بين شركات وبراميل نفط الدول المنتجة المملوكة كلياً أو جزئياً لدول المنطقة وبين شركات النفط التي أقامت بُنى اقتصادية وعلمية وتقنية كبرى، فهذه الشركات تسيطرُ على إنتاج النفط في أغلب الكرة الأرضية، ولهديها قدرات تقنية لا تنافس، وشبكة توزيع هائلة تسيطر على 40% من شبكة التوزيع الدولية، ونصف أسطول الناقلات، كما أن تعدد مراكزها بين شركات محلية وشركات عالمية وهي كلها جزءٌ من كارتل واحد يتيح تقديم قوائم أسعار مختلفة وبيع متنوع يجعلها رابحة، كما أنها تسيطر على بيع المشتقات. وعلى الرغم من هذا كله فقد تصاعدت قوة الدول المنتجة وغدت قوة اقتصادية هامة أخذت تفرض قواعدها على شركات النفط، وعملت سوق النفط الحرة بالبيع القصير المدى أو بالعقود الطويلة على خضوع الأسعار للعرض والطلب، فأخذت الأسعار تخضع لحاجات الدول المستهلكة وإمكانياتها وعلى عرض الدول المنتجة، ولعبت الولايات المتحدة دوراً في تصعيد الأسعار عبر طلبها المتزايد للنفط وتخزينه، والضغط على حلفائها الأوربيين وعلى اليابان، كذلك شكلت تعاوناً مع بعض الدول المنتجة للحفاظ على استراتجيتها النفطية السياسية. وبهذا كله فقد تغيرت مداخيل دول النفط تغيراً كبيراً، ولكن كما قلنا تظل المسألة هنا مسألة كم نقدي خاضع للسيطرات الحكومية في كل بلد، الذي سوف يوظفُ هذه الأموالَ لسياسته التي تتنوع بين كل بلد وآخر، رغم خضوعها للبنية الاجتماعية السائدة، التي سوف تخضع تلك الأموال إلى أوضاعها وسوف نرى كيف يتم ذلك، وهل تحول الكم النقدي إلى رأس مال وفي أي النواحي الاقتصادية.
 
صحيفة اخبار الخليج
19 اغسطس 2008