بحسم من يكون مُرشحاً للحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة يكون الأمريكيون قد برهنوا على عدم جاهزيتهم بعد لأن تكون رئيستهم القادمة امرأة. فإذا كان المزاج الليبرالي، المتفتح نسبياً، لقاعدة الديمقراطيين، بالقياس للمزاج المحافظ للغرماء في مؤيدي الحزب الجمهوري، لم يكن كافياً للدفع بخيار أن يكون ممثلهم في انتخابات الرئاسة امرأة، حتى لو كانت بقوة وخبرة هيلاري كلينتون، فيمكن القول إن أمريكا، في مجموعها، بحاجة إلى وقتٍ أطول لتبلغ مثل هذه الجاهزية. مع ذلك أثبت الأمريكيون، أو قطاع واسع منهم على الأقل، أنهم في وارد قبول أن يكون الرئيس القادم لبلادهم مُلوناً. اوباما وكلينتون كسرا قاعدةً متبعةً حتى الآن، فلو يحدث أن تجاسر أسود أو امرأة على أن يتقدما لمثل هذا التحدي، وأكثر من ذلك أن يتقابلا في معركةٍ فرضت على الحزب الديمقراطي أن يختار احدهما. في كلمات أخرى كان على مناصري الديمقراطيين لا أن يفاضلوا بين المعتاد والمألوف وما هو غير مألوف، وإنما بين مُرشحين يمثل كلٌ منهما حالاً جديدة، أو فلنقل كان عليهم أن يفاضلوا بين الجديد والجديد. وفي هذا أيضاً انحاز هؤلاء الناخبون لمن يرونه أكثر جدة من الآخر. إذا كانت كلينتون تُمثل الخبرة والنضج، فإن اوباما يُمثل الوعد بالتغيير،فهو في المحصلة سيكون، في حال فوزه أمام خصمه الجمهوري هذه المرة، من أصغر رؤساء الولايات المتحدة، إن لم يكن أصغرهم على الإطلاق. وهو خاض معركته مع منافسته تحت عنوان التغيير، كأنه يقول للناخبين، لا جديداً ستأتي به كلينتون، فلقد خبرتم نهجها من قبل، وإن من الأفضل لكم ولأمريكا أن نطرق درباً جديدة، أعدكم بأن أقودكم نحوها. وأمريكا عطشى للتغيير، وفاقم من هذا الشعور السياسة الرعناء لجورج دبليو بوش خلال السنوات الماضية، التي جعلت من أمريكا رجعية أكثر، وعدوانية أكثر، وعلى تضادٍ مع رغبات شعوب العالم الأخرى بصورة غير مسبوقة. أوباما التقط هذه الرغبة، لكن ما زالت أمامه معركة كسر عظم مع المرشح الجمهوري، حين يتعين على الأمريكيين لا أن يفاضلوا بين برنامج مُغرق في رجعيته وعدوانيته، وآخر يعدهم بالتغيير، وإنما يظهروا، أيضاً، أنهم قد تحرروا من عنصريتهم، وباتوا مستعدين لأن يكون قاطن البيت الأبيض أسود.
صحيفة الايام
19 اغسطس 2008