طالعت إحصائية عن ترتيب الجامعات في العالم، من حيث جودة التعليم فيها، تضع واحدة من الجامعات الإسرائيلية في الترتيب رقم ٠٦ بين أهم ٠٠٥ جامعة، في ما أتت اعرق جامعاتنا العربية في ذيل القائمة وغاب غالبيتها عن القائمة من الأساس. وعلينا هنا التذكير بحداثة تأسيس الجامعات في إسرائيل قياسا للعمر العريق لبعض جامعاتنا العربية. حسبنا هنا الإشارة إلى أن جامعة فؤاد الأول، أي جامعة القاهرة حاليا، قد تأسست في العام٥٢٩١. وليس عبثا أن مفكراً وتربوياً وأكاديمياً مثل الدكتور طه حسين الذي كان علما من أعلام الجامعة قد أولى مسألة التعليم الجامعي كل الاهتمام الذي نعرفه عنه، ليس في كتابه: »مستقبل الثقافة في مصر« وحده، وإنما في العديد من دراساته ومقالاته الأخرى. وقد أصدرت جريدة »الجمهورية« المصرية كتابا يتضمن سلسلة مقالات لطه حسين لم يسبق أن نشرت في كتاب، وإنما في الجريدة ذاتها، التي قدمتها بصفتها جزءا من تراثها الذي تعتز به، كون طه حسين نشره على صدر صفحاتها، لدرجة أن السلسلة التي صدر عنها الكتاب المذكور حملت اسم: »تراث الجمهورية«. الكتاب يحمل عنوان »طه حسين ومعاركه الأدبية«، وقد قدم له الناقد الراحل رجاء النقاش، وواضح من عنوان الكتاب انه يتضمن سجالات عميد الأدب العربي في أكثر من مجال، بينها المجال التربوي، وخاصة التعليم الجامعي، وضمن أشياء عديدة يأخذ طه حسين على الدولة المصرية يومذاك إنها لجأت إلى العلماء الأوروبيين والأمريكيين تستعين بهم في بعض الأمور، فيما لم تأبه بخمسة علماء مصريين ذهبوا إلى اسبانيا ليدرسوا نحو خمس سنوات، وعادوا يحملون أعلى الدرجات، ثم كان مصيرهم بعد العودة الإهمال جميعا. فيما كانوا هم قد ظنوا أن بلدهم ستلقاهم فتحسن لقاهم وتضعهم حيث ينبغي أن يوضعوا، وتنتفع بهم كما يجب أن ينتفع الوطن الرشيد بأبنائه الذين علمهم فأحسن تعليمهم، وانفق في هذا التعليم ما شاء من الجهد والمال، وعقد بهم ما شاء الله من الأمل والرجاء. مشكلة مثل هذه سنجدها شائعة اليوم في كافة بلداننا العربية، بما فيها بلدنا البحرين، وخلال رقادي في مستشفى السلمانية منذ أسابيع قليلة سمعت حكايات كثيرة عن كفاءات بحرينية من الأطباء بدرجات علمية عالية، وعمل بعضهم في مستشفيات مرموقة في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وحين عادوا للوطن لم يجدوا سوى الجحود والإهمال، فاضطر بعضهم للعودة أدراجه أو الهجرة لبلدان خليجية للعمل، فنالوا هناك من التقدير ما هم أهل له. يضاف إلى ذلك مشاكل كبرى من نوع نقص الحريات الأكاديمية التي حولت جامعاتنا إلى ما يشبه المدارس التي تدار من مدراء صارمين يرهبون التلاميذ بعصاهم الطويلة، بدل أن تكون صروحا للبحث العلمي والدراسة والجدل، الذي يؤسس لمدارس واتجاهات فكرية وثقافية على نحو ما نعرفه في الجامعات الأجنبية العريقة، التي كثيرا ما تكون بمثابة المصهر الفكري والأكاديمي الذي يثري المعرفة ويولد الوعي بالمشكلات الكبرى ويساعد على تشخيصها وتأصيلها معرفيا.
صحيفة الايام
18 اغسطس 2008