ورقة المنبر التقدمي
حول الحقوق والحريات السياسية في مملكة البحرين
في الندوة الجماهيرية للجمعيات السياسية
بمناسبة ذكرى الاستقلال
14 أغسطس 2008
قدمها المحامي حميد الملا
عضو اللجنة المركزية للمنبر
يسجل التاريخ السياسي للبحرين أن القوى السياسية قد لعبت دورا بارزا ومؤثرا في نسبة التصويت الكبيرة التي حصل عليها ميثاق العمل الوطني ، وإنه على الرغم من تفاوت الاجتهادات السياسية لهذه القوى في البرامج وآليات العمل ، وفي طريقة المحافظة على المكاسب التي تحققت ، وفي أسلوب إدارة الحراك السياسي مع الدولة ، إلا إنها ومعها الغالبية العظمى من شعب البحرين تتفق على رؤية محددة لطبيعة النظام السياسي وهي كما جاءت في الميثاق نظام ملكي وراثي دستوري وديمقراطي ، لكنه في ذات الوقت يرسي هيكلا متوازنا يؤكد ابات دورية ونزيهة ، ويكفل حرية التعبير وحرية تشكيل الأحزاب السياسية ، والتداول السلمي للسلطة ، ويقوم على مبادىء العدالة الاجتماعية والمساواة وعدم التمييز في الحقوق العامة في ظل دستور يؤمن سيادة القانون واستقلال السلطة القضائية ، والالتزام بمبادىء وأهداف الأمم المتحدة والمواثيق والاتفاقات الدولية.
وبهذا المعنى يكون ميثاق العمل الوطني بما نص عليه من مبادىء قد وضع حجر الأساس لتكريس واقع جديد نحو إقامة النظام الدستوري الديمقراطي ، وإقامة دولة القانون ، غير أن ما قامت به السلطة التنفيذية من إجراءات تلت أقرار الميثاق قد قوضت هذا الأساس الذي وضعه الميثاق ، أبرزها قيام هذه السلطة بإصدار حزمة المراسيم بقوانين خلال الفترة من صدور دستور 2002 في 14/2/2002 حتى تاريخ انعقاد أول جلسات المجلس الوطني في 14 /12 / 2002 ، و التي وصل عددها إلى اثنين وخمسين مرسوما بقانون. فبالإضافة إلى المراسيم بقوانين المتعلقة بالحقوق السياسية كان من أهم هذه المراسيم بقوانين تلك التي تنظم ، ديوان الرقابة المالية.، والمناقصات والمشتريات الحكومية، و الميزانية العامة ، وإنشاء المحكمة الدستورية ،و السلطة القضائية ،. الإجراءات الجنائية. وقد انتقصت هذه المراسيم بقوانين في معظمها من الحقوق والحريات العامة التي نص عليها ميثاق العمل الوطني بل نالت مما نص عليه الدستور الذي قوض هو ألآخر من الأسس والمبادىء التي نص عليها الميثاق بما أشتمل عليه من أحكام جديدة لا أصل لها لا في ميثاق العمل الوطني ولا في دستور 1973 ، قللت من الدور التشريعي والرقابي للمجلس المنتخب، ومنحت السلطة التنفيذية هيمنة واسعة على عمل السلطة التشريعي وقد سجل المنبر ملاحظاته في وثيقة الإصلاح الدستوري التي أصدرها خلال عقد المؤتمر الدستوري الأخير.، ولعل واقع الفصلين التشريعيين الحالي والمنصرم يكشفان كيف لعبت هذه الهيمنة في صدور قوانين من السلطة التشريعية تتعلق بأهم الحقوق السياسية أبرزها قانون الجمعيات السياسية ، وقانون التجمعات وقد سجل المنبر التقدمي والقوي السياسية ملاحظاته على هذين القانونين قبل إصدارهما وطرحت البديل الذي ينسجم مع الحد الادني لما نص عليه الميثاق والدستور والمواثيق الدولية بشأن حق تنظيم العمل السياسي وحق التجمع.
ويمكن لنا أن نجمل القيود التي نالت من أهم الحقوق والحريات السياسية منذ صدور الميثاق وحتى اللحظة فيما بلي :
1- حق الانتخاب والترشح وعيوب في النظام الانتخابي :
تعتبر الانتخابات الدورية والنزيهة الركيزة الأساسية لعملية التحول الديمقراطي وهي أحد أهم أشكال التمثيل السياسي ، وأهم آليات الديمقراطية التي تضمن اشتراك المواطنين في صنع وتحديد ملامح القرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، ونظرا للأهمية التي تحتلها الانتخابات في حياة الدول ، ولما تنطوي عليها من حقوق يتعين أن تكون مكفولة ، فقد أكدت مواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان الدولية على هذه الأهمية واعتبرت مشاركة المواطنين في إدارة الشؤون العامة لبلدانهم إحدى الركائز الأساسية لحقوق الإنسان، كما فى المادة ( 25 فقرة ب ) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وكما يؤكد القرار رقم 45 لسنة 1991 الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة علي على هذة الحقوق .و توجب المادة ( 7 ) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على الدول الأطراف أن تتخذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة للبلد ، وبوجه خاص تكفل للمرأة ، على قدم المساواة مع الرجل ، الحق في التصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة والأهلية لجميع الهيئات التي ينتخب أعضاؤها بالاقتراع العام .
وفي البحرين رغم مما يعترض المسيرة الإصلاحية من معوقات وتراجع ، إلا أنه من المجحف تجاهل المساحة النسبية من حرية التعبير وإبداء الرأي التي ترافقت مع بدء المسيرة الإصلاحية وما رافق ذلك من إجراء انتخابات بلدية ونيابية بعد غياب استمر لأكثر من ربع قرن ، وهي خطوة رغم ما يعتريها من نواقص في التشريع وفي التطبيق ، إلا إنها تأتي في اتجاه إرساء مبدأ سيادة القانون ، وتفعيل ما نص عليه الدستور من حق المواطنين في المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بدء بحق الانتخاب .
إلا انه يمكن القول في هذا الإطار انه بدون انتخابات حرة ونزيهة ، تضمن تمثيلا سياسيا يكون بمقدور الأفراد من اختيار ممثليهم بإرادة حرة ، وتضمن مشاركة شعبية تستقطب المواطنين إلى دائرة الفعل الاجتماعي والسياسي ، وتحافظ على وحدة المجتمع وأمنه وسلامه الداخلي ، وبدون تفعيل أحكام الدستور وعلى وجه خاص الأحكام المتعلقة بالحريات والحقوق العامة تفعيلا لا ينال من جوهرها ، وبدون احترام ما نصت عليه الاتفاقات والمواثيق الدولية ، فان الحديث عن تحول ديمقراطي حقيقي في البحرين يصبح لغوا لا معنى له ، يفقد الانتخابات مصداقيتها ودورها كركيزة أساسية لهذا التحول .
وقد نال من العملية الانتخابية في البحرين صدور المرسوم بقانون مباشرة الحقوق السياسية الذي اشتمل على أحكام قوضت حق المواطنين في الانتخاب والترشح فضلا عن قيام الدولة بتحديد وتوزيع الدوائر الانتخابية على خلاف ما كان معمولا به في ظل دستور 1973 إذ لا تضع المذكرة التفسيرية لدستور 2002 تفسيرا يفسر خلو الدستور الجديد من النص على حق المجلس المنتخب في تحديد الدوائر الانتخابية وأن تجاهل المشرع الدستوري لهذا النص شكل انتقاصا واعتداء على حق دستوري مكتسب يتعين أن يكون من اختصاص ممثلي الأمة .
وأن سكوت الدستور الجديد عن تعيين السلطة المختصة في تحديد الدوائر الانتخابية لا يعني إنه قد أباح للسلطة التنفيذية هذا الاختصاص بأداة لا تلزم من استعملها بضرورة عرضها على مجلس النواب ، فدوائر الانتخابات النيابية تحدد بمرسوم من جلالة الملك ، والبلدية بموجب قرار من رئيس الوزراء ، وقد كشف الواقع كيف استخدمت السلطة التنفيذية هذه الأدوات في توزيع غير عادل للدوائر الانتخابية طغى عليها الاصطفاف الطائفي .
أن المنبر التقدمي يؤكد في هذا الشأن على أهمية النص على حق السلطة التشريعية في تحديد الدوائر الانتخابية بموجب قانون يضع نظام انتخابي عادل وديمقراطي يضمن توزيعا عادلا ومتساويا للدوائر الانتخابية ويمثل كل قوى المجتمع وطوائفه المختلفة .
وقد أوصت الحلقة الحوارية التي أقامها المنبر التقدمي حول ( إصلاح النظام الانتخابي في البحرين ) بضرورة وجود نظام انتخابي عادل وديمقراطي في مملكة البحرين ، وان يعاد النظر في مجمل القوانين التي تنظم العملية الانتخابية ، واقترح بهذا الصدد تقليص عدد الدوائر الانتخابية إلى عشر دوائر انتخابية بحيث يتم توزيعها توزيعا عادلا من حيث الكثافة السكانية بعيدا عن التوزيع الطائفي ، وقد حدد الاقتراح هذه الدوائر بالتفصيل نشرته صحيفة الوسط في حينها ، وندعو كافة القوي السياسية إلى تفعيله وطرحه على البرلمان لمناقشه .
2- الحق في التنظيم وحرية العمل السياسي :
على الرغم أن ميثاق العمل الوطني والدستور قد نصا بوضوح على أن ( حرية تكوين الجمعيات والنقابات ، على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبنها القانون .. ) ، وعلى الرغم المواثيق الدولية وعلى وجه خاص العهد الدولي بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه مملكة البحرين قد نصت صراحة على ضرورة ضمان هذا الحق دون قيود إلا أن القانون الذي نظم حق وحرية العمل السياسي ، وهو قانون الجمعيات السياسية الذي شرع لتنظيم عمل الجمعيات السياسية في مملكة البحرين والصادر عن السلطة التشريعية في 22 يوليو 2005 من الفصل التشريعي المنصرم ، والمفترض فيه بأنه ينظم واحدة من أهم الخطوات الإجرائية في عملية التحول الديمقراطي ، هي التعددية الحزبية ، قد وضع قيودا على العمل السياسي وعلى حرية ممارسته ، أهمها أنه اشتمل على أسم يتعارض مع المضمون وتعريف ناقص للتنظيم السياسي وتجاهل حق التنظيم السياسي في عقد اجتماعاته دون تدخل من السلطة :ويتجاهل حقه في إصدار الصحف بدون ترخيص وينال من حرية التأسيس ويتوسع ويتعسف في حالات إيقاف نشاط التنظيم وحله: ، ويقيد حرية اتصال التنظيم بالخارج ، وحرم فئة الشباب من الانضمام للتنظيم السياسي ، وبالغ في الرقابة المالية ، واشتملت القرارات الوزارية الصادرة تنفيذا لهذا القانون على رقابة وزارية صارمة خاصة عن توفيق أوضاع بعد صدوره . وقد أوضح المنبر التقدمي هذه القيود بالتفصيل في ورقته بعنوان ( ما مدى حُرية التنظيم السياسي في قانون الجمعيات السياسية رقم (26 ) لسنة 2005 !!) والمقدمة في مؤتمر الحوار الوطني الأول الذي انعقد في 26 يناير 2006 ، ويمكن الرجوع إليها من خلال نشرتنا التقدمي ، أو عبر الموقع الالكتروني .
3 – الحق في التجمع السلمي
على الرغم أن الحق في التجمع السلمي معناه قدرة المواطنين على الالتقاء بشكل جماعي بهدف عقد الاجتماعات العامة أو المؤتمرات أو المسيرات والمظاهرات والاعتصامات السلمية في أي مكان وزمان ، مهما كانت الجهة المنظمة لها، وذلك لتبادل الرأي أو لبلورة المواقف ، أو للتعبير عن آرائهم بالخطابة أو المناقشة تجاه قضية أو قضايا مختلفة تهمهم ، وهو امتداد للحق فى حرية التعبير ، وجزءً لا يتجزأ منه ، وهو إحدى الطرق المشروعة للتعبير عن الرأي لممارسة ضغطا على السلطة التنفيذية بهدف التعبير عن مواقفهم وتحقيق مطالبهم ، إلا ان هذا الحق شأنه شأن بقية الحقوق لا يعد حقا مطلقا بل هو نسبي ، يجب ان يمارس دون انتهاك لحقوق وحريات باقي المواطنين ، وان يكون طابعه سلميا ، بدون الاعتداء على الممتلكات العامة أو الخاصة ، أو الدعوة إلى الكراهية أو رفع شعارات ترسخ وتعزز الطائفية أو أي شكل من أشكال التفرقة .
وعلى الرغم من أن المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان قد نصت على حق التجمع السلمي ، وفي المقدمة منها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية كما فى المادة ( 21 )
.وعلى الرغم أن دستور مملكة البحرين جاء متماشيا مع ما نصت عليه المعايير الدولية إذ نصت المادة (28 ) منه على انه : ( أ- للأفراد حق الاجتماع الخاص دون حاجة إلى إذن أو إخطار سابق ، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن العام حضور اجتماعاتهم الخاصة . ب- الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافى الآداب العامة ) . ويتبين من هذا النص الدستوري أن الأساس الذي يقوم عليه الحق في التجمع السلمي هو إباحة عقد الاجتماعات ، وعدم وضع القيود عليها سوى تلك التي ينص عليها القانون ، دون أن ينال هذا القانون من جوهر هذا الحق حسبا تقضي به المادة (31) من الدستور ، وان تكون أغراض ووسائل هذه الاجتماعات سلمية و لا تنافي الآداب العامة .
على الرغم من كل ذلك فأن التعديلات التي صدرت عن السلطة التشريعية في الفصل التشريعي الأول على المرسوم بقانون رقم (18) لسنة 1973 ، المعمول به منذ 5 سبتمبر 1973 ، بشأن الاجتماعات العامة والمواكب ( المسيرات ) والتجمعات قد جاءت غير منسجمة مع فهموم الحق في التجمع السلمي ، بل وتتعارض مع أحكام الدستور وعلى وجه التحديد حكم المادتين ( 28 ، 31 ) . ومع المعايير الدولية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية .
وقدم المنبر التقدمي حينها ملاحظاته على هذه التعديلات وسلمها لمجلس النواب ونشرتها مشكورة صحيفة الوسط ، أبرزها أن هذه التعديلات تعطى رئيس الأمن العام أن يمنع التجمع السلمي قبل عقده وأن يحدد مفهوم الاجتماع العام وفي ذلك أوضحنا أن النص على إقامة التجمع السلمي بالإخطار دون موافقة مسبقة يفقد أهميته حين نرى بان التعديلات قد أبقت على الفقرة الأولى من المادة (4) والتي تقضي بحق رئيس الأمن العام أن يمنع اجتماعا عاما تم الإخطار عنه – وهو ما ينطبق على التجمع والمسيرة والمظاهرة – إذا كان من شأنه الإخلال بالأمن أو النظام العام ، أو حسن الآداب ، أو بسبب الغاية منه ، أو بسبب ظروف الزمان والمكان الملابسة له أو لأي سبب خطير غير ذلك . ويتضح من النص المدى الواسع التي يجوز فيه لرئيس الأمن العام منع أي تجمع سلمي قبل إقامته وان تم الإخطار عنه ، وهو ما يعنى أن الحق في إقامة التجمع السلمي دون موافقة مسبقة لا قيمة له، فاقد المحتوى ، إذ يستطيع رئيس الأمن العام وفقا لهذا النص ان يقرر مثلا بان التجمع مخلا بالأمن قبل إقامته ، ويفتح الباب له واسعا لاستخدام حالات المنع المنصوص عليها حسب تفسيره و رأيه ومزاجه ، خاصة وان النص لا يشتمل على تحديد واضح للمقصود بالأمن أو النظام العام ، ويحتوي على مفردات تتصف بالضبابية والغموض و تحتمل أكثر من تفسير وتأويل . كظرف الزمان والمكان ، والسبب الخطير.
شكرا لأصغائكم والسلام عليكم