المنشور

جمال البنا والموروثات السائدة

مجلة‮ »‬الهلال‮« ‬المصرية استضافت في‮ ‬عددها الصادر هذا الشهر المفكر جمال البنا،‮ ‬والحوار مع‮ »‬البنا‮« ‬كما‮ ‬يقول القائمون على هذه الندوة او هذا الحوار‮ ‬يحمل معنى خاصاً‮ ‬لان ضيف‮ »‬الهلال‮« ‬مفكر اثار بافكاره جدلاً‮ ‬واسعاً‮ ‬اصطدم بالسائد والموروث،‮ ‬ولكننا نعرف كيف وقع البعض في‮ ‬اسر الماضي‮ ‬واوهامه واحاطوه بقداسة‮ ‬غير حقيقية‮.. ‬ويقولون ايضاً‮ ‬في‮ ‬هذا الحوار‮ ‬يلقي‮ »‬البنا‮« ‬بأحجاره في‮ ‬بحيرة راكدة منذ سنوات أملاً‮ ‬في‮ ‬ان تتسع دوائرها فتغري‮ ‬بالمشاركة حول كل ما‮ ‬يدور في‮ ‬العقل المصري‮ ‬والعربي‮.‬
وعندما‮ ‬يقول هذا المفكر‮ »‬عصر العقل والحرية لابد ان‮ ‬يحكم‮« ‬فهذه حقيقة انطلق منها في‮ ‬حواره مع الرؤى الماضوية وبالتالي‮ ‬كان اعتقاده الراسخ‮ ‬يتمثل في‮ ‬قوله‮ »‬أي‮ ‬دعوة إلى الماضي‮ ‬مرفوضة مرفوضة بكل المعاني،‮ ‬عودة الانسان إلى الماضي،‮ ‬ضروري‮ ‬ان‮ ‬ينظر الانسان إلى المستقبل،‮ ‬اما ان‮ ‬يعود الانسان إلى الماضي‮ ‬فهذا كلام فارغ‮ ‬وخطأ ولا عليه ان‮ ‬يعود إلى بطن امه‮«.‬
ومن هنا تحدث‮ »‬البنا‮« ‬في‮ ‬هذه الندوة باسهاب عن السلف والسلفية خاصة عندما اجاب عن سؤال كيف نتجاوز ما‮ ‬يدعو إليه السلفيون قائلاً‮: ‬إن السلف لم‮ ‬يلزمنا طالما لدينا القرآن وهم بشر ما كانت لهم عصمة وحصانة فيهم القصور الانساني،‮ ‬ووسيلة الثقافة محصورة في‮ ‬الكتاب المنسوخ باليد‮.‬
ويقول أيضاً‮: »‬عصر العقل هو عصر الحرية‮.. ‬طول ما المسلمين رابطين اسلامهم بالاسلاف عمرهم ما حيتقدموا‮«.‬
وكان هذا المفكر صادقاً‮ ‬ويعي‮ ‬تماماً‮ ‬ان الافتاء في‮ ‬الفضائيات اصبح‮ »‬بيزنس‮« ‬وعلى هذا الاساس‮ ‬يعتقد ان صورة مفتي‮ ‬الفضائيات هي‮ ‬صورة من الضياع،‮ ‬صورة من التشتت،‮ ‬صورة من سيطرة المال‮.‬
وطالما‮ »‬البنا‮« ‬يتبنى منهجاً‮ ‬جديداً‮ ‬ورؤية جديدة واجتهاداً‮ ‬جديداً‮ ‬من الطبيعي‮ ‬ان‮ ‬يهاجمه البعض ولا سيما بعد صدور كتابه عن الحجاب الذي‮ ‬يقول عنه لا‮ ‬يشكل اولوية او مشكلة تستحق كل هذا الاهتمام‮.‬
ويدلل على هذا الاستنتاج او الاجتهاد بان كلمة حجاب لغويا وفي‮ ‬القرآن ليست زياً‮ ‬وان المرة الوحيدة التي‮ ‬ذكر فيها القرآن كلمة حجاب بالنسبة للمرأة كانت لزوجات الرسول‮ »‬وان سألتموهن متاعاً‮ ‬فاسألوهن من وراء حجاب‮«.‬
اما موقفه بالنسبة لحرية المرأة وهل لها حق النصف في‮ ‬المجتمع‮ ‬يقول‮: ‬ان المرأة كالرجل‮.. ‬انا مبدئي‮ ‬في‮ ‬هذا ان النساء شقائق الرجال‮«.‬
‮»‬البنا‮« ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يكن قط اخوانياً‮ ‬ولا سلفياً‮ ‬لا‮ ‬يتردد في‮ ‬قراءة النص بما‮ ‬يحقق العدل،‮ ‬ولا‮ ‬يتردد ايضاً‮ ‬في‮ ‬اعلان موقفه،‮ ‬وملخص هذا الموقف‮ ‬يكمن في‮ ‬قوله‮: ‬هذا شيء‮ ‬غريب،‮ ‬نحن نحارب طواحين الهواء مثل دون كيشوت‮.. ‬حرية الفكر مقدسة ولا‮ ‬يمكن ان تتحكم في‮ ‬ضمائر الناس،‮ ‬لا تستطيع وحتى لو استطعت فهذا خطأ والحال لا‮ ‬يختلف بالنسبة لحرية الاعتقاد‮.‬
ومن بين الاسئلة الاساسية التي‮ ‬اجاب عليها بشفافية تامة سؤال لا‮ ‬يزال‮ ‬يمثل اشكالية وهو‮: ‬تقرأ في‮ ‬الدستور ان دين الدولة الاسلام فهل للدولة دين؟
وعلى هذا الصعيد‮ ‬يرى ان دين الدولة هو خدمة شعبها اذا اريد ان‮ ‬يكون للدولة دين وهذا بالطبع ليس شرطاً‮ ‬لان الدولة شخصية اعتبارية‮.‬
واخيراً‮ ‬ان‮ »‬البنا‮« ‬الذي‮ ‬يثير الجدل والتأمل والنقد والاختلاف له من الاراء والافكار الواضحة والجريئة تجاه شؤون الدنيا والدين‮.‬

صحيفة الايام
16 اغسطس 2008