حين اعتبرت بضاعةُ البترول، الذهب الأسود، بضاعةً لا تختلفُ عن النوق من قبل الإدارات الحكومية العربية، فهذا سيعني تاريخياً وبشكلٍ مديد ان النفطَ ونتائجَهُ الاقتصادية والثقافية ستكون خاضعةً للنظام التقليدي العربي، ومنذ البداية ستنظرُ تلك الإداراتُ للامتيازاتِ الاقتصادية بذات النظرة السائدة وقتذاك مثل أن يقومَ حاكمٌ ما بتأجير بستان أو قطعة أرض كبيرة لإنتاج علف الحيوان. وهذا تجسد أول ما تجسد في امتيازات النفط، وهي هذه العقود التاريخية التي تبيع مثل هذه الثروة الهائلة لمدة قرن كامل أو قرنين، وتـُعطى من المساحة نصف البلد أو كله، وتعفى الشركات من دفع الضرائب والرسوم لمدة 99 سنة الخ! (هذا، وكانت مساحة الأراضي، التي تشملها الامتيازات النفطية في بلدان الشرق الأوسط، أكبر مما لا يقاس من تلك، التي كانت تشملها معاهدات الامتياز والايجار في الدول «المتمدنة«. وفي بعض الحالات كانت تشمل مساحة أراضي البلد المعني كلها. مثلاً، الامتياز الذي حصل عليه دارسي عام 1901 كان يغطي ثلاثة على أربع مساحة ايران. وكان امتياز «شركة نفط العراق« والشركتين المرتبطتين بها «شركة نفط الموصل« و«شركة نفط البصرة« يغطي كل الأراضي العراقية، تقريباً. امتياز «شركة نفط البحرين« الأمريكية كان أيضاً يغطي كل اراضي الإمارة. وكذلك كان الأمر بالنسبة إلى «شركة نفط قطر« في قطر و«شركة زيت الكويت« في الكويت. وكانت شركة «ارامكو« المعروفة تسيطر على مساحة 880 الف كلم مربع في المملكة العربية السعودية، أي ما يوازي ثلث أراضي البلاد تقريباً)، (بريماكوف، المصدر السابق) لقد أدى تقديم هذه الثروة الهائلة بهذه الأسعار المتدنيةِ إلى صعود ما سُمي حينذاك بالشركات السبع الكبرى، وبالتالي تطور الاقتصاد الغربي على منافسيه، وبتدني مكانة الفحم كمصدرٍ للطاقة، وبهذا فقد تكرس الغربُ كأهم قوة اقتصادية عالمية ازاحت منافسيها: ألمانيا الهتلرية والاتحاد السوفيتي الخ، ولكن في مقابل ذلك ماذا أعطت للبلدان المصدرة للنفط؟ (ان طبيعة العلاقات هذه بين الاحتكارات النفطية والحكام المحليين ساعدت على تشديد سيطرة الرأسمال الأجنبي على صناعة النفط واستغلال الثروات الطبيعية لبلدان الشرق الأوسط وشعوبها. اضافةً لذلك ساعدتْ أيضاً على المحافظة على التخلف الاقتصادي لدول المنطقة. في اطار هذه العلاقات كان يجري تمويل الفئات الاقطاعية وغيرها من الفئات الطفيلية مما اتاح لها ليس امكانية البقاء فحسب، بل الاحتفاظ بالسلطتين السياسية والاقتصادية أيضاً. وبالمقابل أعفيت الشركات صاحبة الامتيازات من دفع الضرائب والرسوم الجمركية المحلية ومُنحت الحرية في إخراج كامل أرباحها من البلاد)، (بريماكوف، المصدر السابق). لقد ابقت الشركاتُ والحكوماتُ الغربية على البناء الإقطاعي في كل بلد، وكرسته لكي تبقى المادة الأولية كما هي، ومن هنا أعلنت الولايات المتحدة (منطقة الخليج العربي منطقة حيوية لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية)، وكان هذا مترافقاً مع تحول الولايات المتحدة نفسها كأكبر مستورد للنفط تخزيناً وتصنيعاً وبيعاً. لقد أُعطيت الشقيقات السبع: («أكسون«، «موبيل«، «ستاندارد اويل كومباني اوف كاليفورنيا«، تكساكو«، «غالف« الأمريكية، و«بريتش بتروليوم« البريطانية، «رويال دوتش – شل« البريطانية الهولندية، والتحقت بها «كومباني فرانسيز دي بترول« الفرنسية) 5،8 ملايين كلم مربع من منطقة الشرق الأوسط، وكانت تسيطر على 60 بالمائة من إنتاج العالم النفطي، و55 بالمائة من تكريره. وبهذا فإن البناء الاقتصادي التقليدي سيكون محمياً بقوة الشركات الرأسمالية الكبرى هذه، وغيرها من الشركات اليابانية والإيطالية والألمانية التي سوف تدخلُ الميدانَ بعد ذلك الاحتكار الكبير للشقيقات السبع، وسوف تتنامى من جهة أخرى الإرادة الوطنية للشعوب من أجل وضع حد لهذه الامتيازات المجحفة، وستتكون منظمةُ دول الأوبك لتغيير هذه العلاقات الاقتصادية وسوف تفلحُ المنظمةُ والأحداثُ السياسية الصراعية في تبديلِ بعضِ جوانب تلك الامتيازات الخرافية لكن البناءَ التقليدي النفطي كان قد وُضعت أساسياتهُ، وهو بناءُ الزواج غير الشرعي بين الإقطاع والرأسمالية، الذي استمر بالوجود رغم كل ابنائهِ غير الشرعيين الذين يملأون الأزقة. وحتى تصاعد أسعار النفط بهذا الشكل الذي أصبح ظاهرةً حادة في السنوات الأخيرة كان من قرارات الشقيقات السبع التي قررت في أواخر الستينيات ترك أسعارَ النفط تبعاً لظروف السوق بدلاً من الاحتكار التي كانت تفرضهُ وهذا سيحققُ نتائجَ اقتصاديةً مبهرةً لصالحها في العقود التالية كما سنرى لاحقاً. وكان من جراءِ التطور النفطي هذا كله تفاقمُ قوة الولايات المتحدة وتوسعها في المنطقة وتدخلاتها الكثيفة فيها: (وبنتيجة الحرب العالمية الثانية تغير ميزان القوى في هذه المنطقة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، التي بسطت سيطرتها على الثروات النفطية في الجزيرة العربية، والتي اتضح انها الاضخم في العالم، (المصدر السابق). ونستطيع أن نضيف على كتاب الباحث السابق الذي توفي شاباً ولم يشهد تحولات العالم الأخيرة بأن التمدد على نفط الجزيرة العربية امتد للعراق كذلك وتبقى إيران ونفط القوقاز، وبهذا فقد غدت الولايات المتحدة هي أكبر قوة سياسية وعسكرية وبترولية أيضاً.
14 اغسطس 2008