تاريخ الحركة الطلابية
منذ بزوغ مرحلة الانفراج السياسي التي دشنها جلالة الملك قبل نحو ثماني سنوات والحديث عن كتابة تاريخنا الوطني الشامل ما فتئ يتواصل ويثور الجدل حوله وحول الحاجة الملحة لتدوينه ليشمل جميع عصوره التاريخية من دون استثناء وهو جدل كما هو معلوم لم يحسم بعد ومازالت المحاولات الدؤوبة للشروع الجاد في مشروع هذا التدوين تتعثر، وبضمنها حتى أحد المشاريع التي انطلقت بضوء أخضر رسمي على مستوى عال ثم جمد المشروع. بيد ان تعثر كتابة تاريخنا الوطني الشامل لم يمنع بفضل هذه المرحلة السياسية الجديدة من اقبال عدد من الكتاب والمثقفين والسياسيين والنقابيين القدماء على كتابة مذكراتهم التاريخية في المجال الذي كانوا شهودا على احداثه ووقائعه. وهنالك من حاولوا ان «يؤرخوا« لوقائع وأحداث القطاع الذي كان لهم دور ما فيه اعتمادا فقط على ذاكرتهم، كتاريخ الحركة النقابية، أو «تاريخ الحركة السياسية« بمجملها، أو تاريخ الحركة الثقافية.. الخ، ولم يتوانوا عن اصدار كتب تحت هذه المسميات الكبيرة، رغم ما يشوب هذه الكتابات من تأثر عاطفي سياسي وغياب جانب كبير من التجرد والموضوعية ومهما يكن فانها لا تخلو من الفائدة العلمية في سياق تدوين ولو جوانب من وقائع وأحداث تاريخنا المتعلقة بعدد من قطاعات اجتماعية محددة أو مؤسسات مجتمعنا المدني قبل تحولها الى العمل العلني. وإذا ما نظرنا للدور التاريخي الكبير الذي لعبته الحركة الطلابية في الحركة السياسية والوطنية عامة على امتداد ما لا يقل عن سبعة عقود، وعلى الاخص منذ مطالع خمسينيات القرن الماضي، فلعل هذه الحركة هي ضمن مقدمة القطاعات الاجتماعية التي تستحق الكتابة التاريخية عنها بأي شكل من الاشكال في حين مازالت هذه الحركة أكثر الحركات البحرينية اهمالا من قبل المعنيين بها وعلى الاخص ممن كان لهم دور في تأسيس الروابط الطلابية في الخارج والتي تحولت لاحقا الى فروع للاتحاد الوطني لطلبة البحرين، فضلا عمن كان لهم دور في تأسيس هذا الاتحاد نفسه في فبراير .1972 وهذا التأسيس كان من أهم الاحداث الشبابية التاريخية في تقديري، لما له من تأثير حاسم لاحقا على امتداد نحو 20 عاما على وعي الطلبة الجامعيين وتأطير وتكتيل انشطتهم في العملين الطلابي والسياسي. تدافعت بمخيلتي هذه الخواطر عن الحاجة الملحة الى كتابة تاريخ الحركة الطلابية على اثر قراءتي للمقال التاريخي الصحفي الشائق للأستاذ جاسم مدير التربية الرياضية والكشفية وعضو اللجنة الأولمبية سابقا والذي تم نشره بمناسبة افتتاح أولمبياد بكين تحت عنوان «الدورات الاولمبية ومغزاها عبر التاريخ«، الوسط 8/8/2008م وهو نفس المقال الذي تم نشره قبلا تحت نفس العنوان في مجلة صوت البحرين/ العدد الثاني، من عام 1964 أي قبل مرور 44 عاما من الآن. ومع ان المقال يتناول تطور الالعاب الاولمبية منذ عصر الاغريق حتى عصرنا الحالي، تحديدا حتى عام 1964 وهي سنة دورة طوكيو إلا ان المقال قياسا لخبرة صاحبه الطالب حينذاك في كلية التربية الرياضية في القاهرة كان سلسا ورصينا وممتعا ينم عن موهبة كتابية ولم يفقد قيمته رغم مضي كل هذه السنين على نشره. والاهم من ذلك فان هذا المقال يرينا كم كانت الحركة الطلابية الجامعية تزخر بالنشاطات والكفاءات الثقافية والادبية والفنية والرياضية والاجتماعية المتعددة التي كانت تحتضنها تلك الروابط الطلابية (فروع الاتحاد الطلابي لاحقا) حتى في إطار طغيان العمل السياسي والانشطة السياسية على اهتمامات الطلبة، فما بالك لو اخذت تلك الانشطة حقها من الرعاية والاهتمام الاكبر من قبل الطلبة. واني لاتذكر جيدا في هذا السياق ان ثمة لجانا عديدة تهتم بالاهتمامات والهوايات الفنية والثقافية والرياضية والاجتماعية للطلبة وبضمنها اللجنة الرياضية وحيث كانت لها اخبارها ومقالاتها في مجلة «فرع القاهرة« الذي كان امتدادا للرابطة الطلابية العريقة التي انشئت عام 1955 في الدقي بالقاهرة. مهما يكن فان تدوين تاريخ الحركة الطلابية الجامعية في الخارج هو بحاجة الى تشكيل لجنة من الرعيل الطلابي الاول المؤسس للروابط الطلابية في الخارج واتحاد الطلبة على ان تبذل كل ما بوسعها للتسامي على الذات والنأي عن العواطف السياسية الجامحة وتوخي الحد الادنى من الموضوعية قدر الامكان والا فما من بديل سوى الاجتهاد لكتابة المذكرات التاريخية الفردية وهذا أضعف الايمان.
صحيفة اخبار الخليج
14 اغسطس 2008