انطلاقاً واستكمالا لفكرة إمكان الاستفادة المرجوّة من سقف الحريات العامة وهامش الحراك السياسي القانونيّ والسّلميّ المتوفر، نتيجة التغيير المجتمعيّ المشهود الذي رأته البحرين في مستهل القرن، متجسداً في بنود الميثاق (فبراير/ شباط 2001) والدستور (فبراير/شباط 2002)، المنظّمة للإطار الإجرائيّ والقانونيّ لمشاركة المواطنين في العملية المجتمعية والسياسية الجارية. وضرورة تعزيز المشاركة تلك، للدفاع عن المنجزات الأولية التي تحققت من المشروع الإصلاحي المأمول، ودفع حركة الاصطلاح والتنوير والتقدم التدريجيّ خطواتٍ للإمام. كل هذا باعتبار هذه المشاركة الواعية والضرورية في هذا الحراك السياسي/ المجتمعي هو السبيل الوحيد والأوحد، للقيام بدور المواطنة المسؤولة من قبل جُلّ مواطنين بلدنا لتحقيق أمانيهم ومطالبهم المشروعة في حياة أفضل لهم، سواء جاءت المشاركة على شكل فرديّ أو من خلال المشاركة الميدانية لمجموعات الضغط السياسية في المجتمع المدنيّ المتمثلة في الجمعيات السياسية، ولو أنها(الجمعيات السياسية) لم تتأطر بعد، في نمطٍ حزبي عصريّ مأمول حتى الآن، وهو الشرط الأساس الذي من دونه – بالطبع – لا يمكن الحديث عن مجتمع ديمقراطي مؤسساتي حقيقي.
إلا أن الجمعيات السياسية اليوم في مملكة البحرين(على كثرتها)، التي تتمتع بحدٍّ معقولٍ من مساحة العمل والنشاط، لم تثبت حتى الآن قدرتها الفعلية على الفهم النظريّ والتطبيقيّ المتوقع منها، في فن العمل السياسي العلنيّ والطريقة المثلى لتعاملها مع واقع بلدنا المعقّد والمتداخل مع الوضع الإقليمي والعربي والدولي بشكلٍ يكون من شأنه جذب كثرةٍ من المواطنين والاستفادة من قواها الكامنة لتشكيل ضغطٍ مجتمعيٍّ جامعٍ ومتناغمٍ للدفع الايجابي لتحسين الظروف المجتمعية وليس للشحن السلبيّ السائد المتّسم بالنشاط المناطقيّ والفئويّ والطائفيّ، الذي لم يحقق شيئا يذكر فحسب، بل تسبب في إبعاد غالبية المواطنين عن المشاركة السياسية، بعد أن أصيبوا بالإحباط الشديد وخيبة الأمل والملالة من أنشطة الشأن العام واختاروا جادة اللامبالاة وتركيز اهتمامهم الأساس لشؤونهم الفردية الخاصة والغوص في أحلامهم الذاتية.
يستدعى الإنصاف تبيان أن تلك الجمعيات السياسية، الفاعلة منها خصوصاً، هي في الواقع جديدة على النشاط السياسي، تعمل في ظروف موضوعية ملتبسة محلية وإقليمية ودولية، غير واضحة المعالم. إضافة إلى أن أصحاب القرار لم يتمكنوا بعد من الإتيان ببرنامج تنموي متكامل أو نهج استراتيجي للتنمية الشاملة لحل المعضلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ناهيك عن المنغصات الكثيرة المعيقة للرافعة السياسية الأساس للحراك السياسي، ألا وهي الجمعيات السياسية.
لكن هذا الظرف الموضوعي غير المؤاتي لا يجب، بأي حال من الأحوال، أن يشكّل سداً منيعاً من مغبة مواصلة النشاط والحركة مستفيدة من شحذ الهمّة والعزيمة والمبادرات (الظرف الذاتي). ومن أجل أن تنجلي الصورة يجب أن نشير باقتضاب وبإيجاز شديد لأهم هذه القوى الموجودة في الساحة السياسية على أن نرجع بالتحليل والتفكيك لتركيبة وأدوار وأهداف كل منها في مقارعة أخرى:
أولا، أبرز جمعيات ‘الإسلام السياسي’ بشقيه السني والشيعي وهي:
* ‘جمعية المنبر الوطني الإسلامي’، تأسست على يد عناصر من جمعية الإصلاح (جمعية دينية/ سنية كانت تعمل بشكل علنيّ وبسندٍ رسميّ منذ عقود) كذراع سياسي لها، تحمل فكر وأهداف حركة الإخوان المسلمين.
* ‘جمعية الأصالة الإسلامية’، جمعية إسلامية/ سنية تأسست على يد عناصر من الحركة السلفية العلنية في البحرين.
* ‘جمعية الوفاق الوطني الإسلامية’، تأسست على يد عناصر ‘حركة أحرار البحرين’ السرية (نشطت في العقدين الأخيرين من القرن العشرين)، لها مرجعية مذهبية/اثني عشرية. وتدين فكرياً وفلسفياً بالنمط التشريعي لسلطة ‘ولاية الفقيه’ القائمة بين فترتيّ غياب الإمام ‘المهدي’ ورجوعه.
* ‘جمعية العمل الإسلامي (أمل)’، تأسست على يد عناصر ‘جبهة التحرير الإسلامية’ السرية (نشطت في العقدين الأخيرين من القرن الماضي) لها مرجعية مذهبية/ الأثني عشرية، ولكن غير معروف مدى تقبلها لفكرة حاكمية ‘ولاية الفقيه’.
ثانياً: ابرز الجمعيات السياسية الوطنية/ الديمقراطية:
* ‘جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي’، تشكلت من بقايا وأشلاء بعضٍ من عناصر التنظيم السري الأم (جبهة التحرير الوطني) الذي كان قد تأسس في 15 فبراير/ شباط 1955 على يد مؤسسه الشهيد ‘حسن نظام’ وبمعونة صفوة صغيرة من مريديه أهمهم المرحومين، ‘إيرميك منصوريان’، ‘حسن محمد صالح’، ‘علي مدان’، ‘محمد حسن كشتي’، و’أحمد الذوادي’.
‘جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)’، أول تنظيم سياسي علني يتشكل بعد إطلاق الميثاق الوطني، تأسست في بادئ الأمر، على يد كوادر قادمة من ثلاث مجموعات سياسية (التحرير/الشعبية/البعث)، ثم ما لبث إلا أن سيطرت على مجلس إدارتها الأول عناصر ومريدو ‘الجبهة الشعبية في البحرين’ (تأسست سريا في بداية السبعينات) بعد أن صارت لهم الغلبة والأكثرية.
* ‘جمعية التجمع القومي الديمقراطي’، تأسست على يد العناصر البعثية، الذين كان يقودهم سابقاً المرحوم ‘جاسم فخرو’ (كان أول رئيس لجمعية العمل).
* ‘جمعية الوسط العربي الإسلامي’، جديدة على العمل السياسي. تأسست على يد صفوة صغيرة من الناصريين والقوميين الإسلاميين.
* ‘جمعية ميثاق العمل الوطني’، نخبوية وجديدة على العمل السياسي، تتسم بسياسة ليبرالية وسطية قريبة من الحكم.
* ‘جمعية التجمع الوطني الديمقراطي’، تأسست على يد مجموعة صغيرة منشقة من مناصري (الجبهة الشعبية).
هذا باختصار شديد وضع أهم الجمعيات السياسية المفترض أنها تشارك إيجاباً أو سلباً في الحراك السياسي، سنرجع في مقال لاحق لتفتيت وتحليل بنية وأهداف واستراتيجية كل جمعية سياسية على حدة.
صحيفة الوقت
10 اغسطس 2008