المنشور

انقلاب على‮ “‬الانقلاب”‬

ليس واضحاً‮ ‬إلى أي‮ ‬مدى تدرك القوى الداعية للإصلاح في‮ ‬العالم العربي‮ ‬التحولات الحاسمة في‮ ‬توجه الدوائر النافذة في‮ ‬العواصم الغربية نحو دعم الإصلاحات،‮ ‬والضغط على الأنظمة العربية للإقدام على خطوات في‮ ‬هذا الاتجاه‮.‬ ‮ ‬ولكن هذا أمر تجب ملاحظته،‮ ‬فلو قارنا الأمر بما كانت عليه الأحوال في‮ ‬الفترة بين ‮٢٠٠٢ – ٣٠٠٢ ‬أي‮ ‬قبل وبعد‮ ‬غزو العراق،‮ ‬الذي‮ ‬ترافق مع خطاب تعبوي،‮ ‬بل‮ ‬يمكن وصفه حتى بالأيديولوجي،‮ ‬قادته الولايات المتحدة وبعض حلفائها حول ضرورة نشر الديمقراطية في‮ ‬العالم العربي‮.‬ لكن ما نشهده الآن هو انقلاب على الانقلاب،‮ ‬فإذا ما تذكرنا أن السياسة الأمريكية في‮ ‬الشرق الأوسط كانت،‮ ‬وعلى مدار عقود،‮ ‬قبل صعود المحافظين الجدد ترتكز على مبدأ الحفاظ على الأوضاع القائمة وتجنب تغييرها،‮ ‬طالما كانت ضمنت تحالف أنظمة المنطقة معها،‮ ‬وأن هذا المرتكز تعرض لما‮ ‬يشبه الانقلاب عليه،‮ ‬خاصة مع إدارة بوش الابن،‮ ‬فإن المنقلبين أنفسهم انقلبوا مجدداً‮ ‬على رؤيتهم للشرق الأوسط الجديد‮. ‬ وهي‮ ‬الرؤية التي‮ ‬تبلورت بعد أحداث الحادي‮ ‬عشر من سبتمبر ‮١٠٠٢‬،‮ ‬وتمحورت في‮ ‬أن‮ ‬غياب الديمقراطية في‮ ‬بلدان الشرق الأوسط فرخ المجموعات الأصولية والإرهابية المتطرفة،‮ ‬وأنه‮ ‬يجب التوجه لعلاج بيئة التفريخ هذه عبر نشر الديمقراطية،‮ ‬حيث سمعنا تكرار مفردات الإصلاح والتغيير التي‮ ‬جاءت تحت ضغط لا‮ ‬يمكن نكرانه مارسته الإدارة الأمريكية ودبلوماسيوها على موقع القرار في‮ ‬الأنظمة العربية بالتخلي‮ ‬عن بعض سلطاتها لشعوبها،‮ ‬وهو أمر لا‮ ‬يمكن،‮ ‬أيضا،‮ ‬نكران أنه أثار قلقاً‮ ‬لدى العديد من الأنظمة المعنية‮.‬ هناك رأي‮ ‬صائب لبعض المحللين ذهب حينها إلى أن هذه الأنظمة اضطرت،‮ ‬مسايرة للموجة تحت الضغوط التي‮ ‬تتعرض لها،‮ ‬للإقدام على بعض التغيرات الشكلية التي‮ ‬لا تطال الجوهر ولا تبلغ‮ ‬العمق،‮ ‬معولة على أن الأمر سيكون وقتياً،‮ ‬وأن مثل هذه الموجة لا بد أن تنحسر مع تغير الإدارة في‮ ‬البيت الأبيض،‮ ‬ومجيء إدارة أخرى أكثر إحاطة بالتعقيدات القائمة في‮ ‬المنطقة،‮ ‬وأميل للتعاطي‮ ‬مع مسألة التغيير أو الإصلاحات بالتدريج،‮ ‬أو حتى صرف النظر عنها كلية طالما كان الوضع القائم لا‮ ‬يشكل تهديداً‮ ‬استراتيجياً‮ ‬للمصالح الأمريكية في‮ ‬المنطقة،‮ ‬فتعود الأمور لما كانت عليه‮.‬ وهناك من‮ ‬يذهب،‮ ‬وله في‮ ‬ما‮ ‬يذهب بعض أو حتى كل الوجاهة،‮ ‬أن الإدارة الأمريكية لم تكن جادة أصلاً‮ ‬في‮ ‬مسألة الإصلاحات والتحول باتجاه الديمقراطية في‮ ‬البلدان العربية،‮ ‬وأنها استخدمت الأمر مجرد واجهة أو ذريعة لتبرير‮ ‬غزوها للعراق،‮ ‬أمام حقيقة أن هذا البلد كان محكوماً‮ ‬من قبل نظام ديكتاتوري‮ ‬مستبد،‮ ‬فما أن تيسر لها احتلاله،‮ ‬حتى أدارت ظهر المجن لكل مزاعمها‮. ‬ وهذا القول‮ ‬يفسر جانباً‮ ‬من التغير في‮ ‬سلوك الإدارة الأمريكية،‮ ‬ولكن علينا أيضاً‮ ‬الالتفات إلى حقيقة أن صناديق الاقتراع في‮ ‬الانتخابات التي‮ ‬جرت في‮ ‬أكثر من بلد عربي،‮ ‬والعراق أحدها،‮ ‬حملت إلى الهيئات النيابية أغلبية لا‮ ‬يمكن أن تكون محل ثقة الدوائر الغربية،‮ ‬فكأن السحر انقلب على الساحر،‮ ‬وبات الانقلاب على الانقلاب لا مفر منه‮.‬
 
صحيفة الايام
10 اغسطس 2008