المنشور

أولمبياد بكين بعيون سياسية (5)

التحدي الرياضي والفني من نافلة القول ان المسابقات الرياضية العالمية في مجتمعنا الدولي المعاصر باتت مسرحاً من مسارح التنافس الدولي السلمي الشريف، وهي وسيلة من وسائل ابراز الامم لتفوقها الفني والابداعي الحضاري. ولذلك فإن البعد السياسي الضمني لمثل هذه المبارزات السلمية الحضارية المشروعة غير خاف وذلك في سياق السباق على قصب السبق لابراز كل دولة مشاركة في الاولمبياد تفوقها وتفوق شعبها ورقيه في هذا المضمار. بهذا المعنى فلئن كانت ثمة أبعاد واهداف متعددة لاستضافة الصين الاولمبياد الثامن والعشرين الحالي والذي دشن افتتاحه رسمياً يوم أمس الجمعة، كالابعاد السياسية والاقتصادية والثقافية والتجارية والسياحية.. إلخ، فإن البعد الفني والرياضي من الاستضافة هو في طليعة هذه الاهداف. فلم تستضف الصين الاولمبياد وتنفق كل هذه الاموال الطائلة لمجرد تحقيق المصالح والابعاد السياسية والاقتصادية والتجارية فحسب، لا بل من اجل ايضاً ابراز قوتها وتألقها وابداعها الرياضي بين الامم، وابراز كذلك ابداعها الفني في فقرات حفل الافتتاح.. فهل تتمكن بكين من تحقيق هذا الهدف المزدوج الرياضي – الفني؟ مما لا شك فيه وكما تشير توقعات طائفة كبيرة من مختلف المحللين الرياضيين فإن تصدر الصين وفوزها بوافر من الميداليات الذهبية مرجح جداً استناداً ليس فقط لاستعداداتها الكبرى وتأهلها لهذه الدورة أو لكونها تلعب على ارضها وبين جمهورها، بل ولما قطعته الصين من شوط وخبرات في مضامير الدورات الاولمبية السابقة، وعلى الاخص منذ دورة لوس انجلوس عام 1984م التي فاز فيها اللاعب الصيني شيوى هاي فنغ بأول ميدالية في الرماية، كما احتلت الصين في نفس هذه الدورة المركز الرابع في عدد الميداليات الذهبية وفاز فريقها للسيدات في الطائرة بذهبية الدورة. وفي دورة سيدني عام 2000م فاز الصينيون بـ59 ميدالية، وجاءت الصين في المركز الثالث في عدد الميداليات. اما في دورة اثينا في اغسطس 2004م فقد فازوا بـ63 ميدالية من بينها 32 ذهبية. ولا شك ان الذين جردوا حملة نفسية اعلامية سياسية على الصين لاحباط قدرتها واستعداداتها لاستضافة الأولمبياد، وحركوا قوى الثورة المضادة في الداخل، وسمحوا بكل هوجات الحملات المعارضة ضد بكين في كل محطات وصول الشعلة، تارة باسم حقوق شعب التيبت وطوراً آخر باسم حقوق الانسان، وطوراً ثالثاً بتضخيم المخاطر البيئية والأمنية.. نقول لا شك ان هؤلاء جميعا وفي مقدمتهم واشنطن ليسعدهم هزيمة الصين رياضياً او ابعادها عن الصدارة في اي لعبة من ألعاب الاولمبياد فضلاً عن محاولة ابهات تألقها الفني في حفل الافتتاح. ولهذا لم يخطئ من قالوا ان الصين تسعى من خلال هذه الاستضافة الى ان تصبح قوة عظمى ليس في السياسة الدولية فقط كما هي الآن فعلاً، بل وفي الرياضة. والصين التي احتلت المركز الثاني بعد الولايات المتحدة في أولمبياد اثينا لا شك في انها تطمح إلى ازاحة واشنطن من على عرشها، وهي تهيأت لهذه الحرب الاولمبية الرياضية بجيش قوامه 639 رياضياً يفوق عدد جيشها الذي ارسلته الى اولمبياد اثينا (407 رياضيين) ولعل في مقدمة الالعاب التي تراهن بكين على تصدرها فيها بعدد الميداليات كرة الطاولة التي يرمز لها في التاريخ السياسي الدولي المعاصر بأنها الوسيلة التي مهدت للتقارب الامريكي – الصيني في مطلع سبعينيات القرن الماضي مما سمح لاحقاً للصين الشعبية بدخولها الامم المتحدة 1971م بعد 22 عاماً من حرمانها من هذا الحق المشروع. كما تراهن الصين على ألعاب الريشة الطائرة والجمباز والغطس والى حد ما في الملاكمة. وان كانت هذه المراهنة في هذه الألعاب تكتنفها بعض المصاعب لعل ابرزها كون لاعبي الصين من الهواة الفعليين لا من المحترفين الممولين. اما فيما يتعلق بفقرات وعروض حفل الافتتاح، فبالرغم من اننا نكتب هذه السطور الآن قبيل موعد الحفل بساعات قليلة فإن كل المراقبين والمحللين يتوقعون ان هذا الحفل سيكون من اروع حفلات الدورات الاولمبية المتعاقبة على مدى تاريخها منذ انطلاقتها في عام 1896م. فالصين التي عرفت بعراقتها الحضارية في الفنون والزخرفة والرقص والازياء والرياضة والموسيقى ومختلف الفنون الاخرى لن تعجز عن تقديم عرض افتتاحي شائق متألق مفاجئ يبهر ملايين العالم ويبز ان لم يكن كل المدن التي استضافت الدورات الاولمبية فعلى الأقل معظمها. ذلك بأن حفل الافتتاح كما هو معروف لا يقل أهمية عن التألق والفوز الرياضي فهو مفتاح النجاح في تنظيم الدورة وفألها الأول للصعود الى القمة الأولمبية، وهو الرسالة الفنية الحضارية للدولة المستضيفة والموجهة للعالم لاظهار تفوقها وعظمة مواهب شعبها. ولذلك لطالما عد حفل الافتتاح بأنه سر الاسرار الاولمبية وعادة ما يحاط بكتمان مشدد من السرية ترقى الى مستوى الاسرار العسكرية. وبالرغم من تمكن تلفزيون كوريا الجنوبية، حليفة الولايات المتحدة، من تسريب بعض اللقطات التدريبية الباهتة لحفل الافتتاح، وذلك في سياق الحرب النفسية التي يشنها الغرب وحلفاؤه على أولمبياد بكين، فإن هذه اللقطات تبقى محدودة وضئيلة الأهمية، فما يخفيه الصينيون من مفاجآت فنية وابداعية راقية أكبر بكثير من هذه اللقطات المحدودة، وهو ما نتوقع ان تتحدث عنه اليوم السبت وسائل الاعلام والصحافة العالمية.
 
صحيفة اخبار الخليج
9 اغسطس 2008