لقد اطلعت على مقالة الكاتب ابراهيم علي، المعنونة «هل يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون؟« والمنشورة في جريدة الأيام بتاريخ 10 يوليو 2008م، وما حملت هذه المقالة في مضمونها حول «عملية التنسيق ما بين تيار الإسلام السياسي من أحزاب دينية سلفية وإخوانية خلال الانتخابات البلدية والبرلمانية لعام 2006م« وبقدر ما تطرق إليه الكاتب من تساؤلات «هل هذه الاحزاب الدينية قادرة على أن تجيد فنون التكتيكات والتحالفات والمناورات السياسية أم أن الجمعيات السياسية الوطنية والليبرالية ذات التاريخ الطويل والعريق في العمل السياسي والنضالي تخلت عن دورها التنويري؟« هي تساؤلات تظل في أمس الحاجة إلى كشف الخلل الذي اكتنف حقائقها، مثلما اتسمت بشيء من الالتباسات. بادئ ذي بدء نفخر بالقول إننا نتفق مع رأي الكاتب ابراهيم علي حول نقده تيار الإسلام السياسي، ليس في مملكة البحرين وحدها ولكن في أرجاء الوطن العربي قاطبة، بحسب ما نلتقي فكر الكاتب قلبا وقالبا مهما اختلفنا معه في الآليات والوسائل، لكنها تبقى اختلافات شكلية وثانوية.. ولكن ثمة هناك نقاطا مهمة وجوهرية تعبر عن قضايا أكثر أهمية، وردت في مقالة الكاتب، قد نختلف فيها معه.. بل لم نتفق مع رأيه حولها وإزاء مفاهيمها.. هو حينما تطرق بقوله: «ولا نبالغ إذا قلنا إن كل الجمعيات السياسية التي تصنف نفسها في خانة الليبرالية تتحمل مسؤولية تشتتها وضمورها وانعدام تأثيرها في المشهد السياسي المحلي«.. لعل هذا التصريح فان الكاتب قد وضع الجمعيات السياسية الوطنية والديمقراطية كافة في سلة واحدة من دون تمييز.. وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه الكاتب حينما لم يفرق ما بين الجمعيات التي تنشد وحدتها وتسعى إلى ترسيخ هويتها وتاريخها، وما بين الجمعيات التي هي أساس البلاء في تشتيت وتشظي تنظيمات التيار الديمقراطي، بقدر تقربها لتنظيمات تيار الإسلام السياسي. ولعل باستطاعتنا بهذا الصدد ان نذكر الكاتب ابراهيم علي بأن (جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي) هي من بادر إلى وحدة التيار الديمقراطي التقدمي منذ بدايات الإصلاحات العامة في مملكة البحرين بحسب ما كانت قيادات المنبر التقدمي، ولاتزال تطالب الفصيل ذاته من القوى التقدمية، بإقامة التكتلات أو بالأحرى بتشكيل معارضة قوية ومؤهلة عقلانية وتقدمية علمانية خاصة ما بين (جمعيتي المنبر التقدمي والعمل الوطني) وإقامة التحالفات والقواسم الوطنية المشتركة ما بين هذا التيار الوطني الديمقراطي ومختلف الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني. من هذا المنطلق فان جبهة التحرير الوطني البحرانية حملت شعار الوحدة الوطنية خلال أروع النضالات وأقدس التضحيات منذ نصف قرن من الزمان.. مثلما سعى المنبر التقدمي الذراع للجبهة إلى مد جسور التواصل المجتمعي والجماهيري، من خلال قائمة الوحدة الوطنية وعبر اللجان المناطقية الشعبية والاجتماعية والسياسية في مختلف الدوائر الانتخابية في عهد الإصلاحات السياسية.. ولكن ما تجرعته القوى الوطنية التقدمية، من كؤوس المكابدة والاضرار البليغة، نتيجة قساوة الظروف الموضوعية للمرحلة التاريخية الابلغ قساوة لتداعيات الاحتقان السياسي، مثلت جميعها عقبة كأداء إلى ما تصبو إليه قوى التيارات الوطنية التقدمية لتحقيق الكثير من القضايا الوطنية والشعبية والمبدئية. غني عن البيان هو حينما يسترسل الكاتب إبراهيم علي خلال مقالته معلقا «ورضيت لنفسها أي (القوى الديمقراطية) ان تبقى في الصفوف الخلفية وحيدة عاجزة تراقب من مقارها المشهد من بعيد، فلا هي افلحت بتحالفها مع بعض القوى الدينية المحافظة أو حتى جنت من ذلك ولو النزر اليسير من النجاح، ولا هي افلحت في رأب الصدع مع الجمعيات القريبة منها في المبادئ والأهداف«.. كلام جميل تطرق إليه كاتب المقال.. ولكن تنقصه في الوقت ذاته المكاشفة الصريحة والمواجهة المباشرة.. بحيث إن الكاتب لم يسم الأسماء بمسمياتها، ولم يكشف عن مصدر الجهة المحددة المعنية بهذا الصدد.. ونحن بدورنا نستطيع القول إن ما قصده كاتب المقال بهذا الشأن وبالدرجة الأولى وعلى وجه التحديد هو: (جمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد«) التي ناشد قياداتها الكثير من الحريصين الوطنيين على وحدة التيار الوطني الديمقراطي، مرارا وتكرارا، بتنظيم اللقاءات والتشاورات مع قيادات (جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي) من أجل إقامة تكتل سياسي قوي وتشكيل معارضة تقدمية مؤهلة.. مثلما ناشدنا بدورنا قيادات جمعية العمل الوطني، بعدم التبعية والانجرار وراء تنظيمات تيار الاسلام السياسي، التي لا يهمها سوى مصالحها السياسية وتحقيق أجندة خطابها الاسلامي، والطاعة لمرجعيتها الدينية. ولعل ما أثار انتباهنا خلال مقالة الكاتب إبراهيم علي، هو تطرقه بالقول «إن ما نرقبه هذه الأيام هو أن ممثلي الكتل السياسية الدينية تتحرك منذ الان للعمل من أجل الفوز في الانتخابات القادمة عام 2010م«.. ونحن بدورنا نخاطب كاتب المقال: إنه يعرف اكثر من غيره بل هو أعرف العارفين بأن تحرك قوى تيار الإسلام السياسي للانتخابات مبكرا، لم يأت ضمن قاعدة شعبية وجماهيرية بقدر ما هو تحرك يمثل جانبا من جوانب الخدع العديدة الديماغوجية والتضليلية التي مارستها وتمارسها قوى تيار الإسلام السياسي، ليس في عهد الإصلاحات السياسية في الألفية الثالثة فحسب ولكن منذ ثلاثة عقود من الزمان، أهمها تغييب الناس البسطاء من الشعب البحريني بأتفه القضايا الدونية والشكلية، وتسطيح عقول الشباب وغسل أدمغتهم بأجندة إسلامية لخطاب ديني قائم على أساس التشهير والتجريح بالقوى الوطنية التقدمية وتكفيرها أحيانا، بقدر ما اعتمد اصحاب هذا الخطاب الاصطفافات الطائفية والنعرات العنصرية والمذهبية.. ويأتي المال السياسي الكبير الذي تمتلكه تنظيمات تيار الاسلام السياسي بحوزتها ليكسب ويستقطب اناسا عفويين بسجيتهم وبسطاء ببراءتهم، وبالتالي تستحي عيونهم لإطعام أفواههم، التي هي بالأساس اهدار لكرامتهم وإهانة لإنسانيتهم. ولعل في نهاية المطاف يبقى القول الملح انه ليس مهما ما تطرق إليه الكاتب إبراهيم علي خلال مقالته قائلا: «وتركتم الساحة لغيركم يصول ويجول فيها، فبعد ذلك كله ألا يحق لنا أن نقول لكم هل يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون؟« بقدر الأهم من ذلك كله هو تحليل الواقع السياسي المر والموجع الذي عانته وكابدته القوى الوطنية التقليدية طيلة ثلاثة عقود خلت.. بينما الواقع السياسي نفسه بتداعيات أوجاعه والظروف الموضوعية آنذاك قد خدمت قوى تيار الاسلام السياسي وهيأت لها الأجواء والتسهيلات سواء سياسيا أم إعلاميا أم اجتماعيا أم اقتصاديا، وفي مقدمتها توفير الرصيد الطائل والمال الوفير المتمثلين في المال السياسي الذي ابرز قوى إسلامية خلال الانتخابات البرلمانية والبلدية، هي ليست على قدر من الكفاءة أو الجدارة أو النزاهة حتى ولو في حدها الأدنى.
صحيفة اخبار الخليج
8 اغسطس 2008