المنشور

«سكولاستيكا» و«دياليكتيك»


العنوان أعلاه، تسمية لاتينية بالأصل لكلمة ‘سكولا’،
أي المدرسة، و’سكولاستيكا’ مدرسة كنسية ظهرت في القرون الوسطى، وكانوا ‘يدرسون فيها
مزاعم غيبية معزولة عن الحياة، وخالية من المحتوى فسميت هذه المزاعم سكولاستيكية[1







]’.


أما ‘الدياليكتيك’، وهذا الدياليكتيك كما عرفه
زميل عراقي كردي يدرس الفلسفة معنا في السبعينات، بأنه مثل ‘اللاستيك’، وهو يختلف
عن ‘الاسكولاستيكا







‘.


وعلَّمنا الذين يسترشدون بنظرية الدياليكتيك لـ’معرفة
الواقع وتغييره’، أن ‘الأشياء والظواهر المختلفة تتحدد بالتناقضات المختلفة، وهي
تمتلك مصادر تطورها، وتنعكس هذه التناقضات في العلوم بأشكال مختلفة[2]’.. هل فهمتم
شيئاً؟.. ولا أنا، لكن بعد التأمل في القراءة لتلك التناقضات المختلفة في الواقع وتعقيداته،
ربما يتفهم المرء، ولكنه بطبيعة الحال، لا يجزم الفهم







.


ففي علم الرياضيات يوجد ‘زائد وناقص، ضرب وقسمة’،
وفي الميكانيكا، ‘فعل ورد فعل’، أما في الفيزياء ـ أهم العلوم الطبيعية ـ يوجد تياران:
‘الأول موجب والآخر سالب’، وفي الكيمياء ـ اتحاد وتفكك (تفسخ انفصال) الذرات، وعندما
نصل إلى بيت القصيد الذي يهم الكثيرين، أي العلم الاجتماعي، فنجد صراع الطبقات المختلفة
بخليطها المعقد والمتزاحم، والحياة فيها: ‘أحداث خطيرة وتافهة، مضحكة ومفجعة.. فقراء
وأغنياء، عمال ورأسماليين، شين وزين، شر وخير، جوعى وشبعانين، آلام ومسرات، شعب وفرد،
أبناء ذوات وأولاد قطط سوداء’ بالرغم من أن ‘جميع القطط في الليل متشابهة’ كما تقول
والدة ‘لويس كورفلان[3]’ في كتاب مذكراته: ‘شيء من حياتي







‘.


القصد من هذه المقدمة، ليس إثبات ‘طهارة البدء
والنهايات’ بصورة ‘سكولاستيكية’، غيبية، أو ‘دياليكتيكية’، مادية، باعتبار الدياليكتيك،
علم يَدْرس علاقات العالم المادي الشاملة وتطوره.. ليس هذا ولا ذاك، وكلاهما يستعصيان
على فهمي المتواضع، ولا أحد يدعي بذلك الفهم، اللهم، الأفاقين والمنافقين ومن في حكمهم،
سواء يكونون في صفوف المعارضة أو الموالاة في أي مجتمع، والمجتمع البحريني ليس استثناء







.


دعونا نبدأ بآخر الحاصل بـ’الملحة’ التي نحبها،
ونتساءل: هل الذي يجري في البحرين من حراك سياسي ومطلبي، نزل علينا هكذا بالصدفة من
السماء قاصدا ‘الدِّيرة’ دون سواها، أم أن هناك ظروفا ذاتية وموضوعية، وشيئاً كثيراً
يصعب إحصاؤه من الكلام الذي أعلاه حول التناقضات المختلفة والمتزاحمة المعقدة بتراكماتها؟








سؤال آخر عن المحتجين، هل صحيح إن ‘جيناتهم غريبة
التكوين، لا يفهمون غير لغة ‘الضجيج العالي بليا سبايب’؟، في حين أن ‘اعيال غير’،
يمثلون الحكمة وقمة التسامح الاجتماعي.. الورع والطيبة؟








معذرة لهذا التقسيم الاستفزازي القبيح، لكن لماذا
وصلنا إلى هذه المواصيل؟، ولماذا بالأصل نجهد أنفسنا في التفكير ما دامت الحلول الاجتماعية
والسياسية والاقتصادية والأمنية والتنموية، تأتي من بوابة اجتماع لرجال دين من طائفتين
بيدهم ‘الخيط والمخيَّط’؟








إذاً، يا عزيزي المواطن، لا تجهد نفسك بالتفكير
حول الوحدة الوطنية، أو الحلول الاقتصادية، والمعيشية، والسكنية، والبيئية فـ’الحكومة’..
وإن شئت، ‘رجال الدين من الطائفتين الكريمتين يفكرون نيابة عنك







!.


واحسرتاه عليكم أيها العلمانيون والليبراليون والوطنيون،
وخاصة اليساريين منكم، لا أحد يستشيركم في حلول، ولا أحد يستسيغ أفكاركم التي تسحر
عقول مريديكم في الحديث عن الوحدة الوطنية، والنضال من أجل التغيير، والعدالة الاجتماعية،
والتعددية، وحرية المعتقدات، التي تعتبرونها من ‘أقدس المقدسات، حيث ينبغي النضال،
والدفاع عن هذه المبادئ، في هذه المرحلة، كما في المراحل السابقة







‘.


ووفق المفكر السوري نبيل فيّاض، الذي يؤكد دائماً،
إن ‘الحديث الكلامي عن الوحدة الوطنية غير مجدٍ ما دامت كتبنا ومحاضراتنا وكلامنا
خلف الأبواب المغلقة تعارضها بالكامل[4]’. وهنا على المشتغلين بالسياسة عندنا أن يتأملوا
كثيراً في المحاولات التي تحاول جر المواطن إلى مياه ‘الاسكولاستيكية’، وتغييب عقله،
وكأن الذي يفور في داخل مجتمعنا، ما هو إلا قدر مكتوب ضمن قاعدة حياتية مفادها: ‘ناس
يضيق بهم العيش بسبب سعة العيش .. وآخرون بسبب ضيق العيش’، وواقع هؤلاء الأخيرين،
لا خيار أمامهم سوى التذمر والاحتجاج والمعارضة، لأنهم وقعوا في خانة: ‘كمن يرمي شخصاً
في الماء، ويمنعه من أن يبتل.. ويعاقبه إذا ابتل’، فلو أن الأمور تسير بشكل طبيعي
في مجتمعنا، لما تزايد التذمر، ولا الاحتجاجات، ولا المطالبات، فيما المعارضة والتعددية
السياسية ستترسخ، لأنها سمة من سمات التطور والتغيير نحو الأحسن، خاصة وإن هذه المعارضة
تعمل في ضوء النهار أمام سمع وبصر الحكومة







.



 


[1][2]


ما هو الدياليكتيك؟، غ. كورسانوف ـ ص.16







[3]


لويس كورفلان، هو الأمين العام للحزب الشيوعي في تشيلي، وأحد أقطاب حكومة
‘الوحدة الوطنية’، بقيادة سلفادور إليندي الراحل الذي أطاح بها وبدعم أميركي الديكتاتور
أوغستو بينوشيه في 11 سبتمبر/ايلول .1973








[4]


نبيل فياض: ‘مدخل إلى مشروع الدين المقارن






‘.








المصدر: الوقت – 5 أغسطس 2008م.