حذر الرئيس الصيني هوجين تاو قبيل أيام قليلة من انطلاقة الدورة التاسعة والعشرين للألعاب الأولمبية التي تستضيفها بلاده من تسييس هذه المسابقة الرياضية الدولية التي تُعد أقدم وأعرق المسابقات الرياضية الدولية، حيث يعود تاريخ نشأتها إلى عام 776 قبل الميلاد في اليونان الإغريقية. وكانت تقام كل أربع سنوات على شرف كبير آلهة اليونان وزوجته هيرا مدة 7 أيام. وبمر العصور تطورت الألعاب الأولمبية بازدياد عدد اللعبات فيها، وأخذت تحظى بمكانة دولية رفيعة مقدسة بحيث إنه حتى خلال الحروب لم تكن تتوقف كما في الحرب الفارسية الإغريقية وإبان احتلال الرومان لليونان وتسلطهم على الدورات الأولمبية وتحكمهم فيها. أما في العصر الحديث ومنذ انطلاقتها في أواخر القرن التاسع عشر عام 1896، فبالرغم من نُبل الشعارات التي انطلقت تحت رايتها الدورات الأولمبية، كتوطيد الصداقة والمحبة بين الشعوب وإرساء دعائم السلام في العالم وتأكيد استقلالية هذه المسابقة الدولية وابتعادها عن السياسة وصراعات الأنظمة السياسية، فإن هذه المسابقة الدولية لم يتركها السياسيون وحالها، فاخترقتها وانتهكت حرماتها وشعاراتها السياسة من أوسع أبوابها. إذ كانت التدخلات أو الإشكالات السياسية الدولية والمحلية حاضرة بهذا القدر أو ذاك القدر في كل دوراتها بدءا من دورة اليونان الأولى عام 1896 ومرورا بدورة موسكو عام 1980 وذلك في ذروة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وليس انتهاء بالطبع بدورة بكين الوشيكة، علما بأن المسابقة الأولمبية توقفت قبل ذلك إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية في النصف الأول من القرن العشرين. وبالرغم من مناشدة الرئيس الصيني هوجين تاو الدول المشاركة والجهات الدولية المعنية المنظمة بعدم تسييس أولمبياد بكين فإن السياسة حاضرة بقوة في هذه الدورة، ليس من قبل الدول والقوى الدولية التي تطارد الدولة المستضيفة بغية إثبات فشلها في تنظيمها بعد أن فشلت هذه القوى ذاتها وعلى رأسها الولايات المتحدة في الحيلولة دون فوز الصين بحق استضافتها، بل ومن قبل قوى المعارضة الداخلية وعلى الأخص الانفصالية في بعض أقاليم الحكم الذاتي كإقليم التيبت والمناطق الإسلامية كإقليم شينجيانج ذي الأغلبية الإسلامية الذي تقطنه قومية اليوغور المسلمة. ومع أن الأسباب الداخلية هي المحرك الأول لأعمال التمرد والعنف التي تندلع بين الحين والآخر في هذه الأقاليم إلا أنه يمكن القول إن تكاثف مثل هذه الأعمال خلال هذا العام تحديدا، ولاسيما قبيل شهور قليلة من موعد الأولمبياد، غير مقطوع الصلة بوجود أيد أجنبية خفية لعبت دورا في تحريض وتأجيج الأوضاع الكامنة تحت السطح ولاسيما في إقليم التيبت الذي شهد اضطرابات خطيرة في مارس الفائت وفرت للغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة فرصة ذهبية لشن حرب نفسية معادية للصين. ولم ينف حزب تركستان الصيني الإسلامي المتطرف مسئولية حزبه عن سلسلة التفجيرات التي استهدفت باصات مدنية في شنغهاي وتوعده صراحة بشن المزيد من الهجمات الأخرى التي تستهدف الألعاب الأولمبية مباشرة والمدن الصينية الرئيسية. وقد قامت السلطات الصينية إثر ذلك باعتقال عشرات المشبوهين في الانخراط في المجموعات الأصولية الإرهابية، ولكن جماعات حقوق الإنسان تتهم بكين بالمبالغة في إجراءاتها الأمنية الوقائية لحماية الأولمبياد. ومن المعروف أن مظاهر هذه الإجراءات يلمسها الزائر في هذه الأيام بالذات في منافذ الحدود ولاسيما المطار الجديد، فضلا عن النقاط والمناطق الحساسة والاستراتيجية المهمة في العاصمة. وقد أبلغني شخصيا مصدر أكاديمي صيني موثوق مطلع على بعض خفايا استعدادات بكين الأمنية الداخلية للأولمبياد بأنه تم نصب شبكة من الصواريخ المصوبة نحو استاد «عش العصفور« الملعب الرئيسي للألعاب الأولمبية وذلك لمواجهة أية أعمال إرهابية مباغتة طارئة. ويمكن القول إن الصين واجهت وتواجه ستة تحديات رئيسية في خوض معركة إثبات جدارتها ونجاحها باستضافة الأولمبياد: التحدي الأول: ويتمثل في الوضع البيئي والصحي والغذائي. التحدي الثاني: ويتمثل في ضبط الوضع المروري ونظام السير خلال الأولمبياد في عاصمة يربو عدد سكانها على 17 مليون نسمة. التحدي الثالث: ويتمثل فيما يمكن أن نطلق عليه بالتحدي الديمقراطي والسياسي ويتصل على وجه الخصوص بمدى استعداد بكين لتقديم وضمان أفضل خدمة ممكنة من الشفافية وحرية تدفق المعلومات لمتابعة وتداول هذا الحدث العالمي الكبير بكل أبعاده السياسية والثقافية والاجتماعية وليس الرياضية الصرفة فقط. التحدي الرابع: وهو يتصل بما يمكن أن نطلق عليه بالتحدي اللغوي والمتمثل في مدى جاهزية واستعدادات بكين للتعامل مع أكثر من مليون زائر خلال الأولمبياد يتكلمون بلغات عديدة مختلفة في حين ان السواد الأعظم من الشعب لا يجيد التحدث سوى بلغته القومية التي تجهلها الغالبية العظمى من شعوب العالم. التحدي الخامس: ويتمثل في مدى نجاح الصين في تقديم حفل راق متألق في الافتتاح وفي المستويات الفنية الإبداعية لفرقها الرياضية في مسابقات الأولمبياد بما يعكس ثقافة البلد وعراقته الحضارية ونهوضه الحضاري المعاصر الجديد. التحدي السادس: وهو التحدي الاقتصادي والذي يمكن قياسه عبر جردة حساب بموازنة كفة ما أنفقته الصين على الدورة من أموال طائلة بكفة المردود الاقتصادي والسياسي الذي جنته وستجنيه الصين من الأولمبياد كما طمحت لذلك.
صحيفة اخبار الخليج
4 اغسطس 2008