إذا اتفقنا على أننا بحاجة إلى حوار وطني جدي حول القضايا التي تعني الجميع في هذا الوطن، من أجل التغلب على معوقات وكوابح البناء الديمقراطي والعيش المشترك والشراكة السياسية بين الدولة والمجتمع، وتأمين الاستقرار والأمن، فعلينا أن نتوقف ملياً أمام أطراف هذا الحوار. في الأيام القليلة الماضية التقى جلالة الملك مع رجال الدين من الطائفتين السنية والشيعية، وجرى حديث حول ترشيد الخطاب الديني وعقلنته، والابتعاد به عن الشحن الطائفي والمذهبي، وعلى ضوء ذلك اللقاء كان العفو الملكي عن السجناء والموقوفين، الذي أثار بهجة في البلد، لأنه عبر عن رغبة في تجاوز الوضع المحتقن، والانطلاق نحو آفاق التفاهم، بما يؤسس لأرضية تنبذ العنف في كافة صوره، والاحتكام لأساليب العمل السلمي الديمقراطي. وبين رجال الدين الذين التقاهم جلالة الملك قادة وممثلي الجمعيات السياسية الإسلامية، السنية والشيعية منها على حدٍ سواء، الذين يَجمعون، على نحو ما بات دارجاً، بين صفتهم كرجال دين وخطباء جوامع وبين صفتهم التمثيلية الحزبية. ولسنا في وارد التقليل من أهمية ومكانة رجال الدين الأفاضل، ولا الجمعيات السياسية الإسلامية، فهي أحد المكونات الرئيسية لمجتمعنا، خاصة في الظروف الراهنة التي تتسم بصعود نفوذ هذه الجمعيات تحت تأثير عوامل عديدة ليس هذا مكان بسطها. وبالنظر لما للمنبر الديني من دور في التأثير على جمهرة واسعة من الناس، فان مخاطبة رجال الدين لأن يُرشدوا خطابهم ويوجهوه نحو تعزيز القواسم المشتركة بين أبناء الوطن خطوة ضرورية وفي مكانها. لكن المجتمع البحريني يتوفر على بانوراما غنية من المكونات الاجتماعية والسياسية والفعاليات الاقتصادية التي لا يمكن تجاهلها عند الحديث عن أي حوار وطني جدي. فلا يمكن إغفال مؤسسة بوزن وتأثير غرفة التجارة والصناعة، فهي تمثل شريحة مهمة في المجتمع، معنية بآفاق التنمية ومستقبل التطور الاقتصادي في البلد وفلسفته، وهي إلى ذلك تحمل وجهة نظر حيال مسألة التعددية الاجتماعية وأنماط المعيشة في البلد، بحيث لا يُفرض على المجتمع نمط معين لا يحظى بالإجماع، ولدينا شواهد كثيرة على هذا المسعى خلال السنوات القليلة الماضية. ولا يمكن تجاهل دور القوى والتنظيمات السياسية والشخصيات الوطنية البعيدة عن المنحى الطائفي، والتي تعبر، بصدقٍ وأصالة، عن الوحدة الوطنية الحقيقية بتجاوزها للانحيازات المذهبية، كما انها تغطي مساحة واسعة من التمثيل المجتمعي من خلال دورها في بناء المجتمع المدني على أسسٍ عصرية، وتوفرها على طاقات وكفاءات في المجالات المختلفة. المسألة الطائفية لا يمكن أن تعالج بأدوات طائفية وإنما بأدوات نافية ومتجاوزة لها، وهذا ما يتطلب أن تكون مكونات أي حوار منشود والمشاركين فيه ما يعكس بانوراما المجتمع البحريني، اجتماعياً وسياسياً، وضمن هذه المكونات من يُشكل رافعة جدية للوحدة الوطنية.
صحيفة الايام
4 اغسطس 2008