يبدو الآن أن النهج التعسفيّ الاستفزازيّ الاستعلائيّ التسفيهيّ من قبل الشركات الكبيرة والصغيرة، ضد العمال والموظفين قد ولّى زمانه وان الكل يجب أن يخضع للقوانين الضابطة (على نواقصها) للعملية الإنتاجية والخدماتية ومجمل النشاط الاقتصادي.
فالعمال والموظفون الذين يشكلون الطرف المهم ضمن الأطراف الثلاثة للمعادلة الإنتاجية والخدماتية يدركون جيدا ضرورة إدارة الصراع الاجتماعي/ الاقتصادي في هذه المرحلة الانتقالية والمفتوحة على كل الاحتمالات، بشكل سلميّ وتفاوضيّ، ضمن موازين القوى المجتمعية، في إطار بنود القانون والدستور الملزمة للجميع بدون استثناء.. ولو أن المهيمن والقويّ يكون في وضعٍ أسهل وأنسب لخرقه القوانين، في وقتٍ لا يجد فيه القطب الأضعف سبيلاً آخر غير الاستمرارية في النضال المطلبيّ لتحديث التشريعات العمالية المنقوصة والتشبث بالحقوق المشروعة، المسنودة بالقوانين الدستورية ومواصلة الضّغط من اجل تفعيل وتطوير بنود القوانين، التي أجمع الكل على احترامها وتطبيقها.
إن المشاركة الثلاثية لعملية الإنتاج والخدمات الشاملة من قِبٍل الدولة (وزارة العمل) والقطاع الخاص (غرفة التجارة والصناعة) والجسم العمالي (اتحاد عمال البحرين) لهو لُبّ تحمل المسؤولية الجماعية والسبيل الوحيد للارتقاء المجتمعي، بما فيها الاعتراف الجليّ بالحق العمالي القانوني في الاعتصام والمطالب، كما يحدث الآن في قطاعات و شركات عديدة مثل شركة النقل العام اليتيمة ‘كارس’ حيث هدد 44 سائقا بالتوقف عن العمل معتبرين ذلك تفعيلاً لتقديم استقالاتهم الجماعية عن العمل، وذلك بسبب رفض إدارة الشركة رفع أجورهم بمقدار نسبة مئوية تتراوح ما بين 30 إلى 40% ليصل الحد الأدنى للراتب الأساس 280 ديناراً. ولعل ما يجري الآن في وزارة الصحة (من منغصات) أو الشركات الأخرى، لهو دليل على ضرورة النضج المجتمعي للتعامل العصري والقانوني مع الحركة المطلبية وعدم اعتبار ذلك شيئاً غريبا ومضراً بل أداءً عصرياً يُسهم في التطور الايجابي لطريقة إدارة الصراع السلمي في المجتمع.
من الممكن أن نطلق على هذه المرحلة الحالية من تطور مجتمعنا على مختلف الصُّعُد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها بمسمى مرحلة النضال المطلبي السلمي والقانوني، وتأطير الصراع الاجتماعي ضمن آليات، وفرتها الأنظمة والقوانين المدونة في الدستور البحريني أولا بالإضافة إلى القوانين الدولية، التي التزمت بها حكومة البحرين على الصعيد الدولي، فيما يتعلق بالحريات العامة للمواطنين ومساواتهم جميعا أمام القانون بالإضافة إلى أولوية الحقوق النقابية الشاملة، بلا فرق بين قطاع عام وقطاع خاص!
لعل أهم هدف يجب أن يسعى العمال والموظفون من اجل نيله في هذه المرحلة والتركيز حوله يتجسد في بندين أساسيين:
أولا: المحافظة على وحدة الجسم النقابي وعدم تسييس المطالب النقابية والمعيشية الضرورية انطلاقا من الاعتصام السلمي والقانوني والتركيز على المطلب المتعلق بالمستوى المعيشي المرتفع باضطراد، أي ضرورة رفع شعار: يجب شرعنة ‘الحد الأدنى التصاعدي السنوي للراتب’. بمعنى أنه لا يكفي ترقيع الأمر ووضع حد أدنى ثابت للأجور في ظرف محلي وعالمي تتآكل فيه العملة باطراد نتيجة ظروف نعرفها جميعا، أسوة بالبلدان الأخرى التي تطبق نمط الحد الأدنى التصاعدي السنوي، تزيد حسب نسبة التضخم السنوي، كأفضل السّبل للمحافظة على شعار ‘السلم الأهلي’.
ثانيا: العمل الجاد لتوسيع وتنظيم الجسم النقابي في كل المؤسسات بما فيه المؤسسات الحكومية والنضال الدؤوب من أجل الإسقاط القانوني للقرار الغريب والمُضِرّ للمشروع الإصلاحي، قرار الخدمة المدنية التعسفي، المعنيّ بعدم جواز تأسيس نقابات في القطاع العام/الحكومي بل تجريم من يحاول ذلك! إنه حقا قرار ليس مجحفا وغير قانوني فحسب بل جالب للتمييز بين المواطنين الذين يعملون في القطاع الخاص والقطاع العام/الحكومي بالإضافة إلى أنه يناقض تصريحات جلالة الملك المساندة للشرعية القانونية وللحق النقابي العام في أكثر من لقاء أو خطاب وسعْي جلالته الدؤوب لتفعيل دولة المؤسسات والقانون والحق النقابي، غير المجزأ خاصة.
لكن السؤال.. لماذا أصبح مهماً الآن، أكثر من أي وقت مضى، أن يستخدم عمال وموظفو البحرين كل ما في جعبتهم، مستخدمين قوتهم الكامنة في سبيل لعب الدور الأساس في عملية الحراك المجتمعي من أجل الدفاع عن المنجزات التي تحققت وتطوير المشروع الإصلاحي خطوات نوعية إلى الأمام؟ ولماذا مطلوب منهم بالذات أداء هذه الرسالة؟ وأين دور بقية قوى المجتمع المدني وأهمها الجمعيات/الأحزاب السياسية، التي عادة ما تلعب الدور الرئيس في المجتمعات الحديثة والمعاصرة؟
من الواضح أن الجسم العمالي بقوته العددية الجامعة لمختلف مكونات مجتمعنا الإثنية والطائفية والجنوسية(الذكور والإناث) وأهميته في العملية الإنتاجية والخدماتية، إضافة انه الوحيد العابر للطوائف والمذاهب والأصول القومية والقبلية وغيرها، تشكل وحدته وقوته خير بلسم لعلاج وباء الطائفية المستشري في مجتمعنا. أما لماذا لا تستطيع القوى السياسية أداء الدور المنوط بها في الوقت الحاضر؟ فالجواب إشكالي، لعله في حاجة إلى وقفة أخرى لتفتيت وتحليل القوى السياسية ولكننا نكتفي في هذه العجالة من تبيان أن القوى الرئيسة الفاعلة في الوقت الحاضر في مجتمعنا هي قوى ‘الإسلام السياسي’ الجالبة أصلاً للتمييز والتفرقة والطائفية وذلك بسبب تركيبتها الموضوعية وليس بسبب رغبة المنضوين تحت لوائها!
صحيفة الوقت
3 اغسطس 2008