المنشور

أرباب الطائفية‮.. !‬

في‮ ‬المناخات السائدة الآن في‮ ‬الساحة المحلية المنطلقة من وحي‮ ‬توجيهات ودعوة عاهل البلاد حفظه الله فيما‮ ‬يخص موضوع الوحدة الوطنية والثوابت الوطنية،‮ ‬وأمن واستقرار البلاد،‮ ‬ونبذ آفة الطائفية والابتعاد عن كل ما‮ ‬يبث روح الفرقة والانقسام وإثارة المشكلات ودعوة علماء الدين إلى الحوار في‮ ‬سبيل الوصول إلى خطاب‮ ‬يدعم ثوابت وأولويات الوحدة الوطنية،‮ ‬ويبتعد بنا عن منزلقات الفتن والشحن الطائفي‮ ‬والأعراف الطائفية،‮ ‬والنصوص الطائفية،‮ ‬ويوقف تسويق الحجج والأعذار التي‮ ‬تعمق الطائفية في‮ ‬النفوس‮.‬
في‮ ‬هذه المناخات،‮ ‬فإن أخشى ما نخشاه أن نعطي‮ ‬الفرصة لهؤلاء الذين عرفناهم بأنهم‮ ‬ينتجون الفرقة ويبثون كل ما‮ ‬يكرس الانقسام ويخلق التجاذبات والخصومات والمعارك الوهمية والشحن الطائفي‮ ‬بأن‮ ‬يستغلوا ويستثمروا هذه الأجواء،‮ ‬ويسارعوا من دون خجل أو حياء إلى تغيير جلدهم ليحملوا رايات وطنية نبيلة ويصبحوا من دعاة الوحدة الوطنية،‮ ‬ورفض كل ما‮ ‬يؤجج نار الأحقاد باسم الطائفية والمذهبية وكأنهم استفاقوا من نوم عميق في‮ ‬صورة مفاجئة بالغة الفجاجة قد تستعصي‮ ‬على الفهم ولكنها تحمل كل ما‮ ‬يمكن حشده من علامات الاستفهام والتعجب‮.‬
هؤلاء المشهود لهم وبامتياز بأنهم وقفوا وراء الكثير من الاحتقانات الطائفية وشجعوا قدرتها الفائقة على التناسل،‮ ‬وعمقوا الجرح الطائفي،‮ ‬وطأفنوا كل قضية وطنية،‮ ‬وحولوا كل عمل وطني،‮ ‬وكل شأن عام إلى قضية طائفية عن علم أو‮ ‬غير علم،‮ ‬عن قصد أو‮ ‬غير قصد،‮ ‬والذين كلما ضاعت منهم حجة جاءوا بغيرها،‮ ‬وكلما طاش لهم سهم سارعوا‮ ‬يبحثون عن سهم آخر،‮ ‬ويصوبون ولا‮ ‬يهم أين‮ ‬يستقر هذا السهم في‮ ‬جسد مواطن أو في‮ ‬قلب الوطن،‮ ‬وأصبحوا بلا منازع من أرباب الطائفية،‮ ‬هؤلاء لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يقنعوننا اليوم في‮ ‬تصريحاتهم وكتاباتهم وأحاديثهم وخطبهم بأنهم اليوم أصبحوا فجأة ضد العقلية الطائفية ومن حماة المجتمع،‮ ‬ولن نصدق قدحهم وذمهم للطائفية،‮ ‬ويتعذر علينا أن نعير انتباهاً‮ ‬لدعوتهم المجتمع البحريني‮ ‬بتفادي‮ ‬شباك الطائفية وتخطي‮ ‬الحالة الطائفية واعتبارها جريمة بحق الوطن وبحق المواطن وبحق المستقبل،‮ ‬حيث لم‮ ‬يسقط من ذاكرتنا عراكهم ونزالهم الطائفي‮ ‬وتسخير أدواتهم في‮ ‬سبيل كل ما‮ ‬يكرس التناقضات والتوترات المذهبية،‮ ‬ويشرّع الأبواب لجعل الناس المنفتحين والمتسامحين والمتآخين إلى جماعات تتبادل الشكوك والاتهامات وتفتعل المعارك الوهمية‮.‬
هؤلاء الذين أعطى بعضهم لنفسه الحق في‮ ‬التحدث باسم المواطنين،‮ ‬وظهروا لنا وكأنهم مفوضون بالحديث باسمنا رغماً‮ ‬عنا،‮ ‬صالوا وجالوا في‮ ‬أكثر من مشهد عبثي‮ ‬لم‮ ‬يتورعوا فيه عن بث كل ما‮ ‬يسيء ويضرب الوحدة الوطنية في‮ ‬الصميم،‮ ‬وباتت الكلمات التي‮ ‬ينطقون بها عن الوحدة الوطنية،‮ ‬والوفاق الوطني،‮ ‬والحرية والديمقراطية والمصلحة العامة،‮ ‬والتسامح وتماسك المجتمع،‮ ‬والنسيج الوطني‮ ‬فاقدة لمضامينها ومعانيها لكثرة تداولهم لها ولكثرة ما أساءوا استغلالها في‮ ‬غير مواضعها الصحيحة،‮ ‬ولم تعد تجد صداها في‮ ‬نفوسنا أو تجد تأثيراً‮ ‬في‮ ‬أحاسيسنا،‮ ‬وصرنا نتجاهل سماعها أو ننفر من وقعها اذا تطرقت إلى أسماعنا لأن من‮ ‬يتبنونها‮ ‬يفتقدون المصداقية وغير جديرين بالثقة وغير مؤهلين بأن‮ ‬يحملوا تلك الرايات التي‮ ‬في‮ ‬رأينا تأخذ الطابع المناسباتي‮ ‬الذي‮ ‬يتبارى فيه الكل إلى نقد ورفض الطائفية،‮ ‬يكتبون ويحاضرون ويناقشون مخاطرها وتداعياتها على الأمن والاستقرار والوضع الاجتماعي،‮ ‬وكأن لا دور لهم في‮ ‬احتضان ورعاية الطائفية،‮ ‬وفي‮ ‬امتدادها إلى كل شأن من شؤوننا السياسية والثقافية والاجتماعية والنقابية والإدارية وحتى الاقتصادية‮.‬
هل‮ ‬يمكن أن نكون سذجاً‮ ‬إلى حد لا‮ ‬يصدق ونقبل هذا التحول المفاجىء لهذه الفئة من الناس التي‮ ‬من الواضح أنها تتلون مع كل ظرف،‮ ‬وتحاول مع كل وضع أن توجد لها دوراً‮ ‬وحضوراً،‮ ‬وهمها أن تضفي‮ ‬المشروعية على تحركاتها وأقوالها ومواقفها رغم أنف الجميع،‮ ‬وكل واحد من هؤلاء‮ ‬يظن أنه نجح في‮ ‬خداعنا لكي‮ ‬نصدق أنهم حقاً‮ ‬فرسان الوحدة الوطنية،‮ ‬ورموز المنطق والعقلانية في‮ ‬شؤون الوطن والعباد‮.‬
سيكون من الخطأ الفادح أن نسمح لأكثر الناس إثارة للنعرات الطائفية،‮ ‬وأكثر الناس لعباً‮ ‬على أوتار الانقسامات والحساسيات المذهبية والطائفية والمناطقية،‮ ‬وأكثر الناس اختراعاً‮ ‬للأعذار والتبريرات التي‮ ‬تسمم الأجواء وتنفث السموم والأحقاد والعصبية،‮ ‬أن نسمح لهم بخداعنا وأن نقبل ما‮ ‬يطرحونه بالحفاوة والارتياح والقبول،‮ ‬وسيكون الخطأ الأفدح اذا قبلنا أن‮ ‬يمر علينا هذا العبث وكأن شيئاً‮ ‬لم‮ ‬يكن،‮ ‬وسمحنا لهؤلاء بأن‮ ‬يظهروا لنا حاملين رايات الوحدة الوطنية والنابذة للطائفية وكل أشكال الفرقة والانقسام،‮ ‬فيما هم في‮ ‬حقيقة الأمر من رواد صناعة الطائفية ولازال كل واحد منهم مشروع فتنة تؤسس لخلاف واختلاف على طريق الصراط الطائفي‮ ‬المستقيم‮.‬
لاشك أن هناك شخصيات من علماء دين وسياسة ونواب وأعضاء في‮ ‬مؤسسات المجتمع المدني‮ ‬تحظى بكل الاحترام والثقة والمناقبية ونظافة الكفة والكفاءة على المستوى الوطني‮ ‬العام،‮ ‬مؤهلة أن تأخذ على عاتقها مسؤولية التصدي‮ ‬لكل من‮ ‬يريد أن‮ ‬يركض بنا ركضاً‮ ‬شديداً،‮ ‬ولكنه ركض لا‮ ‬يتقدم بنا خطوة إلى الأمام،‮ ‬وسيكون مأزق كبير،‮ ‬لا بل وخطير اذا لم‮ ‬يدرك أرباب الطائفية أن الطائفية فخ‮ ‬يجب تجنبها لا فرصة‮ ‬يمكن استغلالها،‮ ‬كما سيكون المأزق أكبر اذا سمحنا أو تساهلنا بأن‮ ‬يكون أرباب الطائفية هم الذين‮ ‬يقودون أو‮ ‬يشاركون معنا في‮ ‬محاربة الطائفية،‮ ‬لأن حصاد هذا الجهد الوطني‮ ‬سيكون عندئذ قشاً‮ ‬فارغاً‮ ‬بلا محصول،‮ ‬ونجد أنفسنا ساعتئذ أمام قش بمواجهة العواصف تائهين وسط شعارات كبيرة وصغيرة نرفعها لنخفي‮ ‬عجزنا ولا نعرف على أي‮ ‬أرض نقف ومن أجل أي‮ ‬هدف نستهدف،‮ ‬وأي‮ ‬سبيل‮ ‬يجب أن نسلك‮.‬

صحيفة الايام
1 اغسطس 2008