يواجهك هذه الأيام كلما ذهبت إلى تجمعا ثقافيا أو شعبيا سؤال محدد،، هل ستضرب إيران؟،، مثل هذا السؤال هو تعبير عام عن ذلك المشهد الاستعراضي والإعلامي والحرب النفسية بين الجمهورية الإيرانية من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، حيث يشاهد الإنسان العادي في هذه الأيام المحطات الفضائية ويستمع للأنباء والتصريحات المثيرة للأعصاب.
ويكمن في ذلك السؤال الجوهري قلق ودهشة وحيرة ورغبة الناس في تخيل الممكن والمحتمل بين قوتين متناقضتين ومتصارعتين منذ اندلاع الثورة الإيرانية ووصمها فيما بعد بمحور الشر، فيما ظلت إيران طوال وجودها واستنفارها توصم الولايات المتحدة بالشيطان الأكبر، ووصفت حليفتها إسرائيل بعبارات عدة وفي مراحل ومناسبات كثيرة وتم تهديدها بتدميرها وإزالتها من الوجود وخارطة العالم!!.
هذا النمط من الصراع والعداء والمواجهات الإعلامية بلغ درجة كبيرة من التصعيد بإمكاننا أن نقول عنه إنه من أسوأ أنواع الإيديولوجيات كراهية لم تصلها إلا مرحلة الحرب الباردة بين معسكرين انتهت في النهاية بانهيار احدهما ودخولنا حقبة جديدة ومختلفة، تكون الجمهورية الإسلامية إحدى مكوناتها وعنصرها الفعلي في عقدة الصراع العالمي وان كانت قوة الجمهورية الإسلامية لا تتعدى قدرات دولة إقليمية، بإمكانها استعراض قوتها لمثيلتها من الدول ولجيرانها كلما وجدت أن هناك أهمية للتلويح بعصا التخويف من ترسانتها العسكرية سابقا، وها هي تتصاعد الحرب ونزعة الردع والتدمير نحو تلك الرغبة المحمومة من اجل امتلاك قدرات نووية لدى إيران لا احد يستطيع التخمين بآفاقها بصورة نهائية.
لهذا نحاول العودة لذلك السؤال المركزي هذه الأيام، بحيث بدأ المحللون والباحثون وكل المهتمين بالاستراتيجيات العسكرية يقلبون السيناريوهات، لعل بعضا من المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها تساعدهم على تفكيك الأسرار العليا للدول المعنية بلعبة الصراع الساخن منذ وقت طويل، بين الولايات المتحدة والجمهورية الإيرانية، وكل المجتمع الدولي الذي دخل لعبة الشد والجذب الأخيرة، وقبل بإدخال إيران في محيط اشد وأوسع من الحصار، مما يخلق للنظام الإيراني خصوما أكثر وضغطا داخليا مؤثرا حالما تصبح العزلة فاعلة.
ما نلمسه في هذه اللعبة،، العدائية،، الثلاثية الأضلاع إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، هو ذلك التصريح الممحور من الولايات المتحدة والمتكرر في سياستها الخارجية “أنها لا تستبعد خيار القوة” غير إنه في هذه الفترة بدت اللعبة بشكل أذكى من السابق، تاركة الولايات المتحدة الصراع ثنائيا بين إسرائيل وإيران، فيما ابتعدت الولايات المتحدة عن موقع المواجهة والتهديد بالضرب والرد فقط في حالة تعرض مصالحها ومصالح حلفائها في الخليج من أي اعتداء إيراني فجاء الاستعراض العسكري الأمريكي عند مضيق الخليج وخارجه وداخله ردا على إيران بأنها لن تسمح للتجاوزات الإيرانية لمناطق ليست لها علاقة بذلك الصراع الثنائي، فإيران سبق وأن هددت إسرائيل بإزالتها من خارطة العالم فقدمت إيران إلى إسرائيل حججا مكشوفة تستخدمها كورقة إزاء المشروع النووي الإيراني وبأنه مشروع عسكري يهدد وجودها، ولها الحق في تدميره.
ما فعلته وتفعله الولايات المتحدة هو تقوية الحليف عسكريا ودعمه دوليا على المستوى السياسي والإعلامي، وتقديمه على انه “الحمل الوديع” المحاط بجغرافيا الكراهية، وقد أصبحت إيران الحامل الطليعي لمواجهة إسرائيل في المنطقة.
هناك طرفان في مواجهة مباشرة وأطراف أخرى تعزف لحن التصعيد في توافق متزامن مع التفاوض مباشرة حول إمكانية تراجع إيران عن مشروعها النووي وقبولها بحزمة المقترحات التي من شأنها مساعدة إيران على التنمية السلمية وإخراجها من حالة الحصار وتقديم كل التسهيلات الاقتصادية والفنية لها، شريطة تفكيك مشروع التخصيب المرعب!
وكلما ارتفعت حرارة التصعيد بين إسرائيل وإيران ارتفع حجم المناورات العسكرية وإبراز كل طرف عضلاته وقدراته، وكأنما مصير العالم في أدراجهم ورغباتهم التدميرية، متناسين أن حالة الصراع ومداه المجهول يجعل من المضيق الملتهب بركانا متفجرا لا يمكن لأحد معرفة مجالاته، فإذا ما كان – وهذا سيناريو الاحتمال – لدى إسرائيل إمكانية تدمير بعض أو كل مواقع المشروع النووي في ساعات قليلة وفي طيران ليلي، فان إيران لديها بعض من الإمكانية في إطلاق منصاتها نحو دوائر وأهداف محددة في إسرائيل وكل محيطها الجغرافي، مما يجعل المضيق دائرة معرضة للمواجهة لكونها نقطة صراع مهمة لا يمكن تركها هادئة.
وتبقى إشكالية إيران أنها تورط نفسها بإدخال الولايات المتحدة كطرف في الصراع الثنائي، طالما وضعت الثانية نفسها مدافعا عن المواقع الإستراتيجية في الخليج باعتبارها تدخل في دائرة مصالح دول الحلفاء التاريخيين لها. وهما أمران يصعبان على إيران فصلهما في عملية الصراع بمكوناته الثلاثية، ولكنه من وجهة نظر الشرعية الدولية، لا يحق لإيران الاعتداء على طرف لم يدخل في الحرب ولم يمارس هجماته وضرباته العسكرية، بل ولم يساهم بصورة مكشوفة في تقديم العون اللوجستي أو العسكري للطيران الإسرائيلي، الذي قد يجد فرصة للتحليق من قواعد أمريكية عدة متناثرة حول إيران. أما أين سيكون خط الطيران والتحليق الإسرائيلي – فيما لو أصرت إيران على مواصلة مشروعها النووي – فإن ذلك بالضرورة لن يكون خطا واحدا ومن مواقع واحدة لكون إيران بلدا كبيرا ولكون المشاريع النووية موجودة في أمكنة عدة.
السؤال الأصعب: ما الذي بإمكان إيران أن تفعله بعد الضربة، وهل لدى إيران قدرة على إحباط الضربات الإسرائيلية؟ بإمكاننا أن نتصور الهيجان العفوي والاحتجاج ورد الفعل الإيراني الذي سيطلق بعضا من صواريخه دون أن يحقق مستوى من التدمير الممكن لما أصابه داخليا، وسيحرك بعض أوراقه الانتحارية هنا وهناك في العالم وهو أقصى ما يمكن الاعتماد عليه في النزاع.
ولكن الألم والارتباك المروع سيكون في الشارع الإيراني، وهو السؤال الأهم والأعمق إلى أين سيمضي ذلك الشارع حينذاك بعد ضربة إسرائيلية، خفية القناع والأصابع بتحليق مشترك في الظلام.
في النهاية الضربة أو عدمها مرهونة بالبرنامج النووي الإيراني وإجابة الساسة الايرانييين للمجتمع الدولي في ساعاتهم الأخيرة. فهل التنجيم السياسي ابعد عن سيناريو المخيلة؟
الأيام 27 يوليو 2008