التهدئة الظاهرية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران التي يجري عنها الحديث في الفترة الأخيرة، لن تلغي مناخ التسخين الذي ساد قبل ذلك. هذا التسخين بين واشنطن وطهران ضروري للجانب الأمريكي على الأقل، ولا نعلم إلى أي مقدار هو كذلك بالنسبة للجانب الإيراني، فلعل ذلك يتطلب وقفة ثانية. بدون هذا التسخين فان الحملة الأمريكية ضد ما يوصف بأنه سعي إيراني لامتلاك السلاح النووي ستفقد صُدقيتها، وستظهر على أنها ليس سوى تهويش سياسي ودعائي له أغراض أخرى غير منع طهران من بلوغ هذا الهدف، وهو أمر بينها وبينه برازخ زمنية على كل حال. من الأجدى، أمريكيا، إبقاء قوس التوتر مشدوداً حتى نهايتها، حتى لو لم يكن السهم وشيك الانطلاق.
هذا الوضع يحقق منافع سياسية عديدة للولايات المتحدة، بينها جعل الحلفاء الأوروبيين، ومن في حكمهم، كاليابانيين مثلاً، في حالٍ من الذعر الدائم خوفاً من مجابهة عسكرية، عليها ستترتب مفاعيل ليس بوسعهم إدارة الظهر لها، بالنظر لما في جوف الخليج من ثروات نفط يعنيهم أمرها، بمقدارٍ لا يقل عن الولايات المتحدة ذاتها. وبين هذه المنافع أن الحلفاء الإقليميين في المنطقة الذين ليس بوسعهم تجاهل ما يمثله الوجود العسكري والنفوذ السياسي لواشنطن على أراضيهم وفي مياههم الإقليمية، سيظلون في حالٍ من الفزع الدائم من مجابهة يخشون نتائجها، وهو أمر يُحقق، في الحساب الأمريكي، غرضاً نفسياً، حين يظل هؤلاء الحلفاء مسكونين بهاجس أن لا غنى لهم عن المظلة العسكرية الأمريكية فيما لو وقع المحذور.
الاستدراك هنا واجب، فالتسخين الذي نشهده قد لا يكون مجرد مناورةٍ سياسية، فلربما تنطلق مقاتلات جيش الحرب الإسرائيلي من مرابضها وتقصف أهدافاً مُنتخبة في إيران، لا أحد يعلم حجم ما ينجم عنها من نتائج على صعيد إعاقة الطموح الإيراني في امتلاك الطاقة النووية، بصرف النظر عن أهداف ذلك الامتلاك. إذا حدث ذلك، فانه لن يخرج عن أهداف التسخين المرسومة، ولكن ما قد يخرج عن الحساب هو المدى الذي يمكن لردة الفعل في طهران أن تذهب إليه، فيحدث ما لم يحدث حين قصف الطيران الحربي الإسرائيلي المفاعل النووي العراقي في الثمانينات، حيث صرف صدام حسين النظر عن طموحاته النووية. إن لجأت طهران إلى ردود فعل انتقامية، كما تهدد، فان الإقليم الخليجي لن يكون ساعتها بمنجاة من أن يدفع التكلفة، إن لم يكن كلها، فجزء معتبر منها.
الأيام 24 يوليو 2006