تتالت الشهور ونحن نتابع مسألتين بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية، وبينهما إسرائيل المحرض الكبير للفتنة وإشعال اللهيب.
المسألة الأولى كانت وما تزال عملية تبادل الاتهامات والتجاذب السياسي الدولي حول حقوق إيران في عملية تخصيب اليورانيوم من أجل الأغراض السلمية واحتياجات إيران المستقبلية للطاقة، فيما تردد الولايات المتحدة وإسرائيل موالهما الدائم بأن التخصيب يتم من اجل أغراض عسكرية، وقد تم تخصيص واعتماد كل الإجراءات الشرعية والدولية المعنية بمراقبة المشروع النووي الإيراني، وخصصت فرق ولجان دولية للتفاوض والتفتيش، بل وتواصلت المفاوضات السياسية إلى حد بات العالم يدرك أن المسألة ما عادت فقط هي مسألة تخصيب اليورانيوم، وإنما خلع أظافر النمر الإيراني وتطويق حركته داخل القفص، إذ لا تحتمل القوى الكبرى والإقليمية وجود دولة مؤدلجة تحمل من العداء والاستشراس الواضح لخصمين لدودين لديها هما الولايات المتحدة وإسرائيل، وبالمثل يبادلها الطرف الآخر الكراهية والعداء ذاته.
بينما ظلت المسألة الثانية مرهونة ومرتبطة بالمسألة الأولى وهي مسألة الإرهاب ووضع إيران في محور الشر.
تلك الثنائية النووية والإرهاب ظلتا طوال سنوات على المحك والهجوم الإعلامي والسياسي والحصار المتنوع، غير انه في السنوات القليلة الأخيرة تصاعد إلى حد بدا أكثر استنفارا، خاصة مع مرحلة ضرب البرجين في نيويورك وتداعي قضايا بعدها ومن أهمها سقوط حكومة طالبان المؤقتة وانهيار نظام صدام حسين ودخول القوات الأمريكية إلى قلب بغداد. فبدا اللعبة والصراع أكثر وضوحا لدى العالم، وتوترت القضايا والعلاقات بين إيران والولايات المتحدة إلى حد التأزيم، حالما وجدت إيران نفسها مهددة من الجوار العراقي وانتشرت القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة بشكل مكثف. ولم يكن تمرين إسرائيل العسكري في صيف ٦٠٠٢ في جنوب لبنان ومواصلتها الحصار في غزة إلا تعبيراً عن مشروع أوسع في المنطقة طرحت إيران نفسها كبديل للمواجهة العربية والإسلامية من خلال دعمها للقوى المعارضة لسياسات الولايات المتحدة وتدخل إسرائيل غير المباشر والمباشر في شؤون ومصير المنطقة بشكل سافر.
ويبدو واضحاً أن الخطوات تقترب من إشعال الفتيل بين الأطراف حتى وان تم بناء جسور من التفاوض السري والعلني ووجود وسطاء عجزوا عن تخطي العقبات حتى آخر نفس لديهم، وقدموا حزمة من الحوافز لعل إيران تتراجع عن مشروعها النووي الذي زاد من توتر العلاقات في المنطقة عبر لهجة »العسكرة والقوة«، فكلما توتر الخطاب السياسي بين الخصوم والحلفاء وجدنا بروز استعراض القوة وشهدنا مناورات متواصلة يعبر فيها كل طرف عن استعداده للمواجهة. هذا الخطاب السياسي في نبرته العسكرية يضع منطقة الخليج القائمة على بحيرة من النفط، بجعل مضيقها الضيق نقطة لهيب ينتظر الاشتعال من أول عود ثقاب قادم من الجهتين.
وهناك مؤشرات في اتجاه التصعيد في حالة رفض الجمهورية الإيرانية في نهاية شهر يوليو لكافة المقترحات، حتى وان التقت الأطراف حول »اسطوانة التكرار الممل«، فلغة التحدي والتحدي المضاد هي الأكثر بروزا طوال هذه السنوات، وكأننا ننتظر اندلاع الحريق لكل تلك البراميل السابحة في مياه الخليج. فهل بالفعل تقلق القوى العالمية ودول المنطقة من حالة نشوء »تملك إيران النووي !!« أم أنها مسألة مخاوف سياسية من المشروع الأيديولوجي الإيراني الذي تقوده قوى الحرس الجمهوري والصقور المتربعين في طهران وهم يواجهون صقوراً ومحافظين جدداً في واشنطن؟ فكلما قلبنا المسألة النووية – سلمياً وعسكرياً – نرى أن تملك باكستان والهند وإسرائيل في تلك الدائرة الجغرافية، يضعنا أمام منطق الحق والحقيقة بأن إيران من حقها تمّلك ما يملكه الغير.
نحن اليوم أمام اختبار كبير للقوة والتحدي والكارثة المحتملة، فليست المسألة من الذي سينتصر، فتلك قضية مفروغ منها في ظل توازن القوى، ولكن بأي ثمن ستكون تلك المواجهة القادمة. ما نشهده من تبادل في الخطاب السياسي، ولعبة الخطاب المزدوج بين الولايات المتحدة وإسرائيل يربكنا بخداعه، فإن ما تقوله الأولى ترفضه الثانية بل وتحاول أمريكا إشعار العالم بأنها الطرف الذي يهدّئ من روع إسرائيل ويؤجل الهجوم الإسرائيلي المحتمل، وكأنما إسرائيل وحدها المعنية باختلال توازن القوى العسكري في المنطقة ولا يمكنها القبول بذلك كونها »سيدة القوة المطلقة«.
هذا الوهم المكسور في حرب الجنوب اللبناني سنراه قريبا في امتحان القوة عند مضيق اللهيب وفي تلك المراكز السرية والمعلنة لمشاريع التخصيب، التي سيستهدفها الطيران الإسرائيلي، الذي قام منذ شهور بمناورات عسكرية على طيران طويل المدى لا يمكن تفسيرها إلا بوجود دولة مستهدفة من إسرائيل تنوي تدمير مواقعها الحيوية. ولن تكون الولايات المتحدة طرفا متفرجا أو محايدا وإنما لاعبا أساسيا في ذلك التدمير المحتمل والممكن، غير أننا لا نعرف حجم ردود الفعل في حرب خاطفة لن تكون فيها للأرض والجغرافيا أهمية تذكر.
صحيفة الايام
22 يوليو 2008