الدعوة إلى صون الوحدة الوطنية للمجتمع التي أكد عليها جلالة الملك في لقائه مع رؤساء تحرير الصحف المحلية، أتت في سياق شعور عام في البلد بأن المجتمع ينزلق نحو متاهة طائفية مدمرة. وتحدثنا مراراً بأن في يد الدولة الكثير من الإمكانيات التي تجعلها في وضع القادر على ضبط الأمور كي لا تخرج عن السيطرة، فتغدو الطائفية عنواناً ومحتوى للتناقض في البلد، فيما منهجنا يقول بأن مصدر التناقض في أي مجتمع، هو مصدر اجتماعي ذو صلة بتوزيع الثروة على المواطنين بروح العدل والمساواة، حيث أن هذه الثروة حق عام للمجتمع كله، ومن حق أفراد هذا المجتمع الانتفاع بها بشكلٍ يؤمن لهم الحياة الكريمة. التأكيد على فكرة المواطنة مدخل صائب لمواجهة الطائفية فكراً وسلوكاً، وهذا ما نرى أن الجزء الأكبر من المسؤولية في تثبيته وتطبيقه يقع على عاتق الدولة. لكن للأسف الشديد فان الطائفية، وعياً وسلوكاً، باتت في ظروف اليوم ممارسة مجتمعية أيضاً تتورط فيها جمعيات سياسية وصناديق خيرية ومنابر دينية وصحافية ومواقع اليكترونية. عندما كانت تياراتنا الوطنية والديمقراطية في صدارة المشهد السياسي نجحت في خلق وعي وطني عميق لدى منتسبيها وأنصارها وجمهورها، عمت تأثيراته على المجتمع، وفي أصعب الظروف استطاعت هذه التيارات أن تُبقي جذوة الأمل حيةً في القلوب والعقول بالمستقبل الموحد للشعب. لكن ما أن أصبحت المبادرة في أيادي ممثلي تيارات الإسلام السياسي على تلاوينها ومذاهبها المختلفة، حتى شاع الخطاب الطائفي البغيض، وصار يمارس تأثيره على عامة الناس، فلم تعد المسألة مواجهة الاستحقاقات الوطنية الجامعة، وإنما التعبير عن مصالح الطائفة، مما ولدّ مفاهيم ومفردات جديدة من نوع المظلومية أو المحاباة،وهي تعبيرات حين تُطلق فان التفكير ينصرف نحو الطوائف لا نحو المجتمع كاملاً. هذا الخطاب الطائفي غالباً ما اقترن بدرجة من السوقية السياسية والابتذال التي نطالع نماذج لها على بعض المواقع الاليكترونية وفي بعض خطب المنابر الدينية، وفي بعض الفعاليات الاحتجاجية التي لا تأخذ طابع الدفاع عن حقوق الناس، وإنما الانتصار للطائفة ورموزها. جلالة الملك دعا في كلمته أمام رؤساء تحرير الصحف إلى الابتعاد عن السباب والشتائم والإساءة، وهي دعوة تصب في اتجاه ترشيد الخطاب السياسي في البلد وعقلنته ليكون خطاباً مسؤولاً، يتوجه نحو الجوهري من الأمور، حيت تغدو الجمعيات السياسية معنية ليس فقط بأن تقوم بدور الرقيب لأداء السلطة التنفيذية ونقد ومعارضة أوجه الخلل والتقصير والفساد في أدائها، وإنما أيضاً تقديم البديل المقنع على شكل برامج اجتماعية واقتصادية وسواها، وهي أمور لن تنجزها الخطابة الثورية وما يندرج تحتها من أشكال تحريض لفظية.
صحيفة الايام
22 يوليو 2008