امرأة تعاني من ضجر حياة رتيبة، ومن إخفاقات عائلية وضغوط نفسية متعددة، تدفعها الأقدار نحو علاقة عاطفية مشبوبة، كأنها وجدت في من تُحب الرجل الذي احتوى خيباتها، وأخذ بيدها نحو عوالم ندية كانت تتوق إليها، حين اندفعت نحو حلم لذيذ رمّم ذاتها المنكسرة. لكنها، حتى في عز ساعات التألق، تظل مشدودة إلى ماضيها المعذب، والى الضغوط التي ينتجها واقعٌ مفرطٌ في صرامته، لا يعرف التسامح مع امرأة لبت نداء قلبها فسارت به ومعه إلى النهاية. امرأة شابة، جميلة وذكية، كما يوحي لنا السرد بذلك، تقف على تخوم أزمنة وأمكنة مختلفة، تستعيد وقائع من طفولتها وصباها وخيباتها العاطفية السابقة. هذا ما تحكيه هدى عواجي في عملها “إغواء امرأة”، والصادر منذ فترة عن دار فراديس، وهي تفعل ذاك بلغة تنطوي على شحنة من الغضب والتمرد والاحتجاج على واقع يُسفه العلاقات الإنسانية ويقتل الحرية، ويشيع مناخاً من الخزعبلات والأوهام التي تسكن الأذهان، فتتحول إلى قوة مادية مدمرة، مُعيقة للتقدم.
لا تتردد الراوية وهي تحكي حكايتها في توجيه سهام نقدها اللاذع لكل ذلك، كلما وجدت فرصة متاحة، فتتوقف عن الاستطراد في السرد، لتسقط وعيها على الحكاية، التي تدور جل أحداثها خارج وطن البطلة.
اختيار أمكنة الحكاية تنطوي هي الأخرى على دلالة لا تخطئها البصيرة، كأن الوطن يضيق بفعل الحرية فتغدو لندن وبرايتون وميامي وربما مدن أخرى ساحات الحدث الذي يتمحور حول امرأة وجدت في الحب الذي يُتوج بطفلة تلدها البطلة، وحول عاشق متمرد هو الآخر على القبيلة التي أعلنت براءتها منه، لأنه شق عصا الطاعة، فوجد نفسه هائماً في ديار الله الواسعة حاملاً قضيته على كتفه يجول بها مدن شتى.
طوال صفحات الرواية التي تكاد تبلغ المائة، نظل مأخوذين بالفضول إزاء شخصية هذا العاشق الثائر، ولكن الثري الذي يغدق بسخاء على محبوبته، التي يوحي لنا السرد بأنها هي الأخرى متحدرة من عائلة ثرية، ولكن من بيئة اجتماعية مختلفة عن تلك التي أتى منها الحبيب. وفي السطور الأخيرة تصدم الكاتبة قارءها بسرٍ آخر، غير متوقع، عن الرجل الغامض الذي وقعت البطلة في حبه، كأنها تحرضنا على انتظار مسار آخر للأحداث، لكن الانتهاء المفاجئ للرواية يقطعه، بطريقة تحملنا على الظن أن جزءاً ثانياً من الرواية آت قريباً، أو أن الكاتبة اختارت أن تتوقف عند هذه النقطة بالذات تاركة القارىء يؤول الأمور وفق ما يرى.
تنتمي رواية هدى عواجي لذاك الطراز من الروايات التي تصدر في الآونة الأخيرة لكاتبات من الخليج والجزيرة العربية، وهي، في الغالب الأعم، روايات لا تُولي العناية الكافية لشروط المعمار الروائي، بقدر عنايتها بإعلان رفض واقعٍ بائس يُشدد الخناق على المرأة ويقمع ذاتها الإنسانية، ويحاصرها خلف أسوار من التخلف.
لهذا العمل، كنظيره من الأعمال الروائية النسوية الخليجية الجديدة، نَفَسَهُ الاحتجاجي الذي يشي بقبضات نســاء غاضبـــات متمــردات تواصل الدق على أبواب الزنازين التي حبست النساء فيها، تعبيراً عن الرغبة في كسرها لينطلقن نحو فضاءات الحرية التي طالما تُقْن إليها.
الأيام 19 يوليو 2008