المنشور

لهم أموالنا ولنا جلودنا العارية‮!‬


الإخوة الأعزاء ملاك البنوك الوطنية والأهلية والتجارية والاستثمارية والمساهمين فيها بسخاء فائض! أرجو بحب شديد ألا ينزعج أحدكم مني إذا أبديت تجاهه ضيقاً أو حقداً أو حسداً، نظير إعلانه بين فترة وأخرى أرباح بنكه الهائلة أو ضخه جوائز مالية تقدر بمئات آلاف الدنانير على المشتركين في ‘يا نصيبه’ الدائم، ذلك أن هذه الأرباح والجوائز هي في نهاية الأمر ‘تتكرش’ من ‘عرق’ المدخرين لأموالهم في خزائنكم من الفقراء والبسطاء ومحدودي الدخل ومن كل الموظفين في المؤسسات الحكومية والخاصة الذين يستلزم استلام مرتباتهم فتح حساباتهم بالضرورة في بنوككم.
لو أحصينا الأرباح والجوائز المالية في غضون سنوات قليلة لوجدناها تتجاوز الملايين، ولوجدنا المنافسات والمضاربات المالية قائمة وبشكل شره بين البنوك نفسها، من يدفع أكثر؟ من يربح أكثر؟ من يبحث عن منافذ أكثر لاستنزاف آخر ما تبقى من ‘خردة’ في جيوب ‘عامة الناس’؟
كل البنوك تزعم أنها تيسر خزائنها للقروض الشخصية والعقارية والاستثمارية، كل البنوك توزع بالملايين ‘بروشرات’ التسهيلات التي تقدمها للمواطن والمقيم وغيرهما، ولكن إذا جئنا للحقيقة، لأرض الواقع، نرى العكس تماماً، إذ تزداد الأرباح على كاهل المواطن يوماً عن آخر، والرسوم الإدارية وغيرها تتفرع لتستنزف من المواطن أرباحاً إدارية أخرى للبنوك، وكل ‘تأخيرة’ دفع قسط وراءها أرباح تبرر بألف ‘تخريجة’ ووراءها أيضاً التزام ‘قهري’ بدفع هذه التأخيرة وإلا ‘البنفيت’ لك بالمرصاد، فلا أمل لك بعدها في اقتراض أي مبلغ مالي ما لم تف بدفع كل أرباح البنك مقدماً وربط عنقك مضطراً قرب بوابته كـ’قربان’ أمانة.
كنا نتمنى من هذه البنوك التي تتفاخر بأرباحها نصف السنوية والسنوية وجوائزها المالية الشهرية والدورية والتي يحصدها بعض من لم يدخر في خزائنها غير بطاقة اشتراك في المسابقة لا تتجاوز عشرين أو خمسين ديناراً، بينما ‘تهرب’ هذه الجوائز عمن رهن بيته وعنقه وأمواله لهذه البنوك، كنا نتمنى أن تستثمر هذه الأرباح لتخفيف الأرباح نفسها عن المواطن جراء أي قرض يقترضه من هذه البنوك، وتقدم التسهيلات التي تذهب لصالح الوطن وتنميته، مثل الدراسة والمشاريع الخيرية والإنسانية والاستثمارية بجانب مساهمتها في بناء مراكز للإنتاج الفني والمهني والإبداعي التي يستفيد منها كل مواطن يعيش على أرض هذا الوطن ويفيد بها بالمقابل وطنه، كنا نتمنى أن تذهب بعض أرباحه كمنح وبعثات لتدريس الموهوبين في شتى المجالات، ليشكل من جانب آخر رافداً موازياً للجهات التنموية في البلد.
ما الذي تفعله هذه البنوك من أجل الوطن والمواطن؟ نادرة هي تلك التي تسهم بين فترة وأخرى في تعضيد المشاريع الخيرية، ولكن أن نجد مثلاً بنكاً أو مؤسسة استثمارية تهتم بتشجيع اقتصاد المعرفة أو استثمار الثقافة والفن، فذلك يكاد يكون من المحال، باستثناء بنك أركبيتا الذي لا يمكن أن يتجاهل أحد دوره في رفد المشاريع الإنسانية والثقافية والفنية والأثرية ودعمها باستمرار، ومثله نحتاج لأكثر من بنك يعي هذا الدور.
أعود ثانية للأرباح والجوائز المالية وأتساءل: إذا كانت هذه الأرباح والجوائز المالية هي في واقع الأمر أموال ورواتب المواطنين وغير المواطنين الذين يفتحون حساباتهم في هذه البنوك، فلماذا لا يستفيدون منها بشكل يخفف عنهم أعباء الديون والحياة؟  ولماذا يحق للبنوك هذه أن تستفيد من هذه الأرباح لبناء فروع ومؤسسات استثمارية لها في كل مكان وزاوية في الوطن وأن تتاجر بأموال هؤلاء الناس بمزاجها؟ لماذا لا تفكر في مشروع يعنى بضرورة تقليل حلقات القيود والأغلال التي حاصرت بها هؤلاء الناس؟ لماذا تسعى إلى توريط الناس بمغريات بنكية أخرى كلما استفحل الحصار المالي على أعناقهم؟ لماذا صار المواطن البسيط بالذات يخشى على مستقبله ويشعر أن لا أمان ولا ضمان من بنوك تجعله تابعاً لها باستمرار، خصوصاً مع غياب الرقابة والحماية اللتين تضمنان له على الأقل حقه في الاعتراض على من يأتمن أمواله في خزائنه ومستودعاته؟
البنوك تضع المواطن أو المقترض حين تستدعي حاجته الاقتراض منها، أمام تسهيلات ومغريات لا مثيل لها، ويندر أن تقدمها بنوك أخرى، ولكن ‘حين يطيح الفاس في الراس’ تجعل هذه البنوك من هذه التسهيلات والمغريات ‘خناقة’ على رقاب المقترضين، بمجرد طلب المقترض إعادة جدولة أقساطه أو تخفيفها مؤقتاً نظراً ـ مثلاً ـ للغلاء الذي فتك برواتب الناس بشكل مروع أو زيادة أعبائهم الاقتصادية.
من حق أي مواطن أن يتساءل: لماذا تتباهى هذه البنوك بأرباحها وجوائزها المالية التي هي في حقيقة الأمر أموال غالبية المواطنين في هذا الوطن، وتعلنها في كل سانحة إعلامية وفي مختلف المناسبات، بينما ‘تستخسر’ على هؤلاء المواطنين خصوصاً المتضررين منهم أن يطلبوا منها حفظ ماء وجوههم وتخفيف الأعباء الربحية عنهم، والتي لم يستثمروا منها غير جلودهم العارية؟
 
الوطن 16 يوليو 2008