تبدو الانقطاعات الكهربائية التي تشهدها مناطق واسعة متفرقة من البحرين بين الفينة والأخرى والتي كان أسوأها شمولاً وطولاً انقطاع ظهيرة أحد أيام الاثنين من الشهر الفائت.. تبدو هذه الانقطاعات وكأنها بروفات مبكرة تنذر بما هو أسوأ مع تقدم الصيف ووصول الحرارة إلى ذروتها خلال شهري يوليو الجاري وأغسطس المقبل.
وإذا كان أحد المسؤولين أكثر صراحة من احد مسؤولي الهيئة في التبشير بهذا المستقبل الكهربائي القاتم المظلم الذي تنتظره البلاد فمن الواضح جيداً ان هيئة الكهرباء ليس لديها حلول سحرية فورية لمواجهة لا الأزمة الكهربائية الراهنة ولا كما هو متوقع حسب تصريح المهندس الجودر بتحول هذه الأزمة إلى كارثة في السنوات القليلة المقبلة وبخاصة في ظل تزايد السكان وزيادة المشاريع العمرانية والاستثمارية وجل ما تستطيع هيئة الكهرباء فعله هو عبارة عن حلول ترقيعية بتحسين ما يمكن تحسينه من الخطوط الكهربائية وتجديد ما يمكن تجديده من مجمعات ومحطات توليد كهربائية فحتى المحطات الجديدة أو الموسعة أو المحسنة هي عاجزة عن مواجهة الأزمة، كما من الواضح جيداً إن مشروع الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون لم يصل إلى مرحلته النهائية بعد ليكون جاهزاً للتنفيذ.
كما يبدو أيضا ان البحرين هي أكثر دول المجلس تعرضاً للأزمة الكهربائية. ومن إحدى محاولات الحلول التي تبذلها منذ زمن طويل للتخفيف من حدة الأزمة القيام بإعلانات وشعارات توعوية للمواطنين لترشيد استهلاك الكهرباء، لكن من الملاحظ ان هذه الإعلانات والشعارات يغلب عليها طابع الرتابة واللغة الإنشائية الخشبية غير المثيرة والجذابة. وبهذا المعنى فالوزارة بحاجة الى استقدام خبراء إعلاميين ولغويين يتعاونون مع المهندسين والفنيين الكهربائيين لاستنباط اقوي وأفضل الشعارات والإرشادات الجذابة والمؤثرة في وعي المواطن لحضه على الترشيد في استهلاك الكهرباء ما أمكن ذلك سبيلاً.
والى جانب ذلك فإنه بات مطلوباً من هيئة الكهرباء بصورة ملحة أن تنظم برامج ومقابلات تلفزيونية توعوية حول هذا الموضوع فضلاً عن تكثيف التواصل مع الصحافة، ورب احد يقول ان الأزمة إنما يتحملها الأثرياء والميسورون وأرباب الأعمال والشركات الكبرى بالدرجة الأولى وليس المواطنون من ذوي الدخل المحدود، وهذا لا ريب صحيح، لكن يظل من الصحيح أيضا ينبغي ان نعترف بأن نسبة غير قليلة من المواطنين من محدودي ومتوسطي الدخل ليس لديهم إحساس كاف بأهمية ترشيد الاستهلاك وليس لديهم رقابة صارمة على نسائهم أو على أبنائهم للالتزام بهذا الترشيد، وبخاصة ونحن اليوم كآباء أمام أجيال جديدة لا تتحلى بأدنى شعور من المسؤولية تجاه ما يكابده آباؤهم من معاناة مريرة في توفير لقمة العيش.
لكن هذا لا يعني في المقابل ألا يكون لهيئة الكهرباء دور في التشديد على مدى احتياجات البلاد في التوسعات الاستثمارية وتفعيل الرقابة الميدانية على أعمال التسليك وإحجام استخدام الطاقة في كل مشروع استثماري او عمراني كبيرين.
اخيراً فإن الملاحظ ايضاً غياب دور الجمعيات البيئية في بث التوعية بضرر الإفراط في إنتاج واستخدام الكهرباء على البيئة كمصدر للتلوث وأحد أسباب الاحتباس الحراري، لا بل حتى إرشادات وإعلانات الكهرباء التوعوية خالية تماماً من هذه المسألة رغم اهميتها. ولأن هيئة الكهرباء والجمعيات البيئية غابت تماماً عن اليوم العالمي لإطفاء الكهرباء لمدة ساعة واحدة والذي نظمه في ربيع هذا العام الصندوق العالمي للحياة البرية بالتعاون مع المنظمات البيئية العالمية لتكثيف توعية المستهلكين بمخاطر الإفراط في إنتاج الطاقة الكهربائية ليس على الموارد المالية فحسب بل على البيئة. ولعل لسان حال الطرفين بأن البحرين ليست بحاجة الى ساعة لتوقيف الكهرباء باعتبارها تشارك على طريقتها الخاصة بالاقتصاد في الكهرباء بالانقطاعات الجبرية لساعات طويلة طوال الصيف.
أخبار الخليج 15 يوليو 2008