علينا أن نولي انتباهاً كافياً لخبر تقليل أسهم الحكومة في شركة ألمنيوم البحرين “ألبا” تحديداً من ٧٧٪ إلى 49٪، فهذا خبر لا ينبغي أن يمر مرور الكرام لأسباب نحسبها معلومة، وليس من الحكمة في شيء الآن بالذات أن يضع رئيس مجلس إدارة الشركة هذه المهمة على سلم أولوياته.
ذلك كلام معلن وموثق ومنشور.. ولأنه كلام يصعب قبوله في الظرف الراهن لتلك الشركة تحديداً وليس بمستغرب أن يفسر بأنه يحمل قصداً مبطناً، فإن ما ينبغي أن يكون حقاً في سلم أولويات مجلس إدارة هذه الشركة العملاقة التي تشكل احد ركائز اقتصادنا الوطني، هو أو مجلس إدارة شركة ممتلكات البحرين القابضة التي تمتلك وتدير ٣٣ شركة تساهم فيها الحكومة بنسب متفاوتة من ضمنها “ألبا”، أن يضع أي منهما أو كلاهما في صدارة الأولويات إنهاء ملف قضية “ألبا – الكوا”، فهي قضية تستدعي وضع النقاط على الحروف، بمعنى جلاء الحقيقة في قضية شغلت وأذهلت الرأي العام في البحرين وباتت صورة من صور الهمّ العام، لكونها مليئة بالإشارات القوية الموحية بأنها الأهم والأكبر والأخطر من بين كل ملفات الفساد “الساخنة” المتداولة حتى الآن على الأقل.
صحيح أن الرئيس التنفيذي لـ “ممتلكات” بعد كمّ من الهواجس والمخاوف والشكوك التي خلفها ذلك التصريح، وذلك التوجه، حاول على ما يبدو أن يزيل جانباً من الالتباسات أو يخفف من وطأتها علينا حينما بادر قبل أيام إلى الإعلان بأن قراراً لم يتخذ إلى الآن بشأن بيع أو خفض حصة الحكومة في الشركات المهمة مثل “ألبا”، وأن “هناك دراسة حيال ذلك تشمل جميع شركات ممتلكات”.
إلا أن الصحيح أيضا أن المسؤول المذكور في اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي بشرم الشيخ بمصر التي عقدت في مايو الماضي هو نفسه الذي صرح بأن شركة “ممتلكات” تنوي خفض حصص الحكومة بالشركات التي تمتلك بها أغلبية مثل “ألبا” و”بتلكو”، وبنك البحرين الوطني.
إذا أخذنا في الحسبان تلك التصريحات، وقبلها تصريحات كشفت عن تشكيل فريق داخلي مع إمكانية الاستعانة بمؤسسات ذات خبرة في هذا المجال لتحديد حجم الحصص التي ستطرح والتي كما قيل ستبدأ بشركة طيران الخليج، و”ألبا”، فضلاً عن تحديد آلية الطرح والطريقة والفترة المناسبة، ونظرنا في الحيثيات المعلنة للتخصيص والتي تدور حول فكرة فتح المجال أمام القطاع الخاص للمشاركة في ملكية وصنع القرار ووضع استراتيجيات للشركات المعنية للنهوض بها، إذا فعلنا ذلك وتابعنا مجريات مسار برنامج التخصيص، فإن أول ما سنلحظه هو أننا ما زلنا نفتقر إلى رؤية أو سياسات واضحة شفافة في مجال التخصيص وعمليات الخصخصة، التي على أساسها تحدد الآليات والأطر التنظيمية والتوقيتات الزمنية المحسوبة وما إلى ذلك.
نلاحظ ذلك رغم أننا وجدنا انفسنا في فترة من الفترات أمام خطابات موغلة في الحديث عن استراتيجية الخصخصة كمرحلة من سياسات الإصلاح الاقتصادي، ولكن تبقى تفاصيل هذه الاستراتيجية – إن وجدت – غير معلومة حتى الآن لا على وجه الدقة ولا بشكل عام، رغم صدور المرسوم بقانون رقم “41” لسنة ٢٠٠٢ الذي ينص بأن التخصيص جزء من السياسة الاقتصادية لمملكة البحرين، وحدد قطاعات الخدمات والإنتاج التي يشملها برنامج التخصيص.
ذلك يعني أن الشفافية لم تأخذ مداها الحقيقي، لا فيما يخص موضوع التخصيص برمته، ولا فيما يخص التوجه بشأن “ألبا”تحديداً دون سواها.
والشفافية التي نعنيها ونفهمها هي التي تقوم على أساس تبديد ما يعلق في الأذهان من التباس من خلال التصرف بطريقة واضحة ومكشوفة في كل ما يتعلق بالواجبات، وسير المعاملات، وجميع المعطيات والمعلومات في أمور الشأن العام، دون مقاصد مبطنة أياً كان نوعها. ولن نطيل في المسألة ولكن نترك لكم تقدير ما إذا كنا متحصنين فعلاً بالشفافية، وما إذا كانت الشفافية لها حضور حقيقي على وجه التحديد في مجال التخصيص، وتوجهات التخصيص.
ونحن نتفق على أن ثمة علامات استفهام كبيرة متداولة بشأن حقيقة محاولات إبعاد “ألبا” عن الرقابة البرلمانية المباشرة، كما نتفق أيضا على أن الدعوة المرفوعة من “ممتلكات” أمام المحكمة الفيدرالية الأمريكية ضد “الكوا الأمريكية” هي قضية من الأهمية التي كما ذكرنا تصلح أن تكون اختباراً حقيقياً لتوجهات الإصلاح.
أخيراً، نتجاسر ونسأل، ما إذا كان المعنيون بالقرار في “ألبا” أو”ممتلكات” جادين في المضي قدماً في الدعوة المرفوعة ضد “الكوا الأمريكية”.
الأيام 11 يوليو 2008