يوم الثامن من شهر يوليو هو يوم مضيء في ذاكرة الوطن.. ماثل في ضمير الشعب.. حي في وجدان طالبي الحرية.. هو يوم رحيل خيرة أبناء الوطن.. أبناء البحرين الحضارة الشامخة.. وأحد مؤسسي وقياديي جبهة التحرير الوطني البحرانية المناضل والمعلم والرفيق أحمد الذوادي.. ولعل ما يتميز به هذا اليوم الثامن من يوليو، هو تجديد مغازيه وحقائقه ومفاهيمه في عقول وقلوب مناضلي جبهة التحرير الوطني، بقدر الاحتفاء بهذه الذكرى السنوية الثانية لرحيل مناضل ظل صامدا صلدا وواقفا على قدميه بشموخ، خلال نضالاته الرائعة وتضحياته الرائدة طوال عقود خلت تجاوزت نصف قرن من الزمان ..
رحل شريفاً معززاً ومكرماً بكل الكبرياء المجلل بالمجد والإكبار، والمحاط بعظيم الوفاء والمحبة والولاء.. غادرنا الرمز الوطني احمد الذوادي الذي اجتمعت فيه معايير وصفات المناضل الحقيقي الذي قلما يجود الزمان به في هذا الزمن الصعب.. بعد ان نسج أروع الملاحم النضالية والبطولية، منذ مشاركته رفاق الدرب الأوائل بوضع دعائم وركائز العمل الوطني التنظيمي والمبدئي، بتأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية في 15 فبراير عام 1955م، مرورا بمختلف المحطات النضالية وكفاح المشاوير الوطنية الطويلة والمريرة.
فهو المناضل الصامد الذي كابد قسوة الإبعاد والمنافي منذ عقد الخمسينيات من القرن المنصرم، منتصرا على ويلاتها، متجاوزاً وحشتها وأوجاعها، هازما غربتها واغترابها، في البعد عن الوطن في غياهب الفيافي وأتون المنافي، والتي تألق فيها مناضلا وكاتبا ومفكرا ومحللا.. بل كان سفيرا للشعب، وممثلا للمعارضة، ومجسداً للفكر الأممي التقدمي، والحضارة الإنسانية التي اتسمت بوطنه..
بقدر ما انتصر المناضل الرمز الوطني احمد الذوادي على عذابات المعتقلات وبشاعتها بإرادته، داخل الوطن، ، حاملاً هو ورفاق الدرب قبس النضال ومشعل الحرية خلال أعوام القهر وسنوات المكابدة، وعبر الساعات السيئة واللحظات الأسوأ، منذ مرحلة الاستعمار ومناهضته بمواجهة الأبطال، بكفاح ونضالات جبهة التحرير الوطني، بجانب هيئة الاتحاد الوطني في عقد الخمسينيات..
ومثلما لعبت جبهة التحرير الوطني البحرانية دورا وطنيا محوريا بمشاركتها بجانب التنظيمات السياسية في قيادة انتفاضة مارس المجيدة عام 1965م.. فإنها تألقت بالصفوف الأمامية للحركة النقابية والعمالية في عقد السبعينيات.. وتبوأت مكان الصدارة بمشاركتها في أول انتخابات نيابية باسم تكتل الشعب في 3 ديسمبر عام 1973م.
ولعل بمناسبة الذكرى الثانية لرحيل المناضل (أبوقيس) فإن هذه الذكرى ستظل تمثل شعلة من مشاعل الحرية يسترشد الرفاق من ضوئها الحكمة والتسامح والواقعية السياسية والثوابت المبدئية والصمود والنفس الطويل والنضال المتواصل.
صفات وطنية تميز بها الراحل الحاضر (أبوقيس) ناضل بحقائقها وضحى بتداعياتها في مختلف المراحل التاريخية، مرحلة الاستعمار ومرحلة قانون الطوارئ ومرحلة قانون أمن الدولة ومرحلة الإصلاحات العامة، التي جاءت تتويجا لتلك التضحيات الوطنية والمبدئية الرائعة..
ومثلما تحقق شيء من طموحات وأهداف جبهة التحرير الوطني والمعارضة السياسية والشعب البحريني، وهي الديمقراطية والإصلاحات العامة في مملكة البحرين.. فإن المناضل الراحل الحاضر احمد الذوادي كان دؤوب النضال دائم التضحيات من أجل توسيع رقعة الحريات السياسية والاجتماعية والمدنية والدستورية، ومن أجل الحفاظ على اللحمة والوحدة الوطنية ما بين الشعب، وفي سبيل صون العمل الوطني، بترسيخ انتماءاته الحزبية، وتعزيز أفكاره المنهجية، وتوطيد مبادئه الأممية، وتكريس وحدته الوطنية وتحالفاته الإستراتيجية بتماسك لحمته التنظيمية و الأيديولوجية، ما بين الفصيل ذاته لمناضلي (جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي وجمعية العمل الوطني الديمقراطي “وعد”). وبحسب ما آمن المناضل احمد الذوادي بـ (جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي) كإحدى مؤسسات المجتمع المدني، يناضل من أجل الديمقراطية والتعددية والإصلاحات السياسية والعدالة الاجتماعية، ضمن القواسم المشتركة مع مختلف مؤسسات المجتمع المدني، وضمن الواقعية السياسية. وعبر البرنامج السياسي المتكامل.. فان المناضل الراحل الحاضر قد اتخذ (جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي) كذراع لجبهة التحرير الوطني البحرانية، وما يتمخض عن التنظيم من الالتزام الفكري والأيديولوجي، برؤية واضحة الجلاء والنضج تميز ما بين (المبدئي والسياسي) وما بين (الواقعية السياسية والانتماءات المبدئية) وما بين (المفهوم الاستراتيجي والمفهوم التكتيكي).
ولعل ما نفخر به قولا في نهاية المطاف ان المناضل الراحل الحاضر احمد الذوادي، هو أحد رواد البحرين ومناضلي البحرين، ورافعي سمعة وطنه.. قدم لشعبه وجماهيره عصارة عطاءاته، وخلاصة إبداعاته، وجذوة تضحياته، واستحق عليها التكريم ومظاهر التبجيل.. فليس بكثير على هذا المناضل العملاق (أبوقيس) إطلاق اسمه على أحد شوارع البحرين، أو إحدى مدارس البحرين أو جامعاتها ومعاهدها أو أحد معالمها، لكون هذا التكريم سيكون تكريماً للدولة والشعب قبل تكريم صاحب الشأن بهذا التكريم.. لكون المناضل الراحل الحاضر احمد الذوادي قد وجد المكانة الكبيرة في قلوب أبناء الشعب البحريني، وضمائر الأجيال المتعاقبة، منذ نصف قرن من الزمان، ولا يزال وسيبقى.. طالما تضحياته ونضالاته تنطق بالحقائق والوقائع بحسب ما ستظل ماثلة في وجدان المناضلين، وبقدر ما يبقى اسمه محفورا في سجل الخالدين، منقوشا في صخرة الزمن.
أخبار الخليج 4 يوليو 2008