المنشور

استراتيجيــــــــــــات‮ ..!‬

لحكمة‮ ‬يعلمها الله قفز مصطلح‮  “‬الاستراتيجية‮” ‬إلى بؤرة اهتماماتنا فجأة،‮ ‬وأصبح لهذا المصطلح جاذبية أخاذة تغري‮ ‬كثيرين بتداوله بكثرة هذه الأيام،‮ ‬وهو في‮ ‬حد ذاته أمر له دلالة إيجابية،‮ ‬رغم أن البعض‮ ‬يتعامل ربما لأسباب استراتيجية مع المصطلح كشعار إعلامي‮.‬
لم‮ ‬يتوانَ‮ ‬كثيرون عن الدعوة أو المطالبة أو الإعلان عن وضع أو تبني‮ ‬استراتيجيات في‮ ‬عدد مهم من مجالات إدارة شؤون المجتمع والدولة،‮ ‬والهدف هو توفير أفضل الفرص لتطوير قدرات المجتمع في‮ ‬اطار حزمة من السياسات التي‮ ‬يفترض أن تتوقف على حسن التقدير والتدبير من حيث الإجراءات والتوقيت السليم‮.‬
في‮ ‬الآونة الأخيرة شهدنا مناخاً‮ ‬هيأ الجو لتداول ربما‮ ‬غير مسبوق لمصطلح‮ “‬الاستراتيجية‮” ‬ويكاد أي‮ ‬حديث عن مجريات الأمور في‮ ‬البلاد من قبل أي‮ ‬مسؤول‮ ‬يقترن بالإعلان عن استراتيجية هنا،‮ ‬أو دعوة إلى وضع استراتيجية هناك،‮ ‬وصرنا نسمع ونقرأ عن مسعى هنا،‮ ‬واتفاق هناك،‮ ‬ورصد ميزانيات عن استراتيجياتنا وخطط استراتيجية للتأكيد على أننا نمضي‮ ‬في‮ ‬الاتجاه السليم‮.‬
‬واذا تتبعنا بعض الذي‮ ‬أثير في‮ ‬هذا الشأن فسوف نجد المشهد ممتلئا بصور كثيرة ربما منها ما‮ ‬يلي‮ :‬
‮- ‬مجلس الوزراء وجه إلى وضع استراتيجيات في‮ ‬أكثر من مجال،‮ ‬أحدها لتوفير مخزون استراتيجي‮ ‬للسلع والمواد الغذائية،‮ ‬وثانية لتوفير مخزون استراتيجي‮ ‬من مواد البناء وإقامة تحالفات وشراكات استراتيجية وصناعات في‮ ‬القطاعين المذكورين‮.‬
‮- ‬مجلس التنمية الاقتصادية أعلن أنه‮ ‬يتبنى وضع استراتيجية للنهوض باقتصاد البحرين فيها عناصر ومحاور وخيارات ضرورية تؤثر على شكل الاقتصاد الذي‮ ‬نريده حتى عام ‮٠٣٠٢.‬
‮- ‬شركة ممتلكات القابضة الحكومية التي‮ ‬تمتلك ‮٤٣ ‬شركة منها ما تشكل نسبة الحكومة فيها ‮٠٠١‬٪،‮ ‬أعلنت عن استراتيجية استثمارية للتوسع الدولي‮.‬
‮- ‬بعض الوزارات والأجهزة الرسمية أعلنت عن تبني‮ ‬استراتيجيات في‮ ‬عدة مجالات،‮ ‬منها استراتيجية وطنية للشباب،‮ ‬وأخرى استراتيجية وطنية لتمكين المرأة،‮ ‬واستراتيجية لتطوير التعليم،‮ ‬واستراتيجية لإصلاح التدريب‮.‬
‮- ‬غرفة التجارة طالبت باستراتيجية قصيرة الأجل ومتوسطة وبعيدة لضمان إمدادات البحرين من المواد الغذائية،‮ ‬ومواد البناء والإنشاء وتشجيع إقامة صناعات محلية وبناء تحالفات استراتيجية في‮ ‬القطاعين المذكورين بين أصحاب الأعمال البحرينيين ونظرائهم من الدول الشقيقة والصديقة‮.‬
لعل ذلك‮ ‬يتيح لنا الحديث على مصراعيه عن مجموعة الاستراتيجيات التي‮ ‬كنا ولا نزال في‮ ‬حاجة إليها،‮ ‬والتي‮ ‬يؤمل أن تجعلنا في‮ ‬وضع أفضل فيما‮ ‬يتعلق بمجريات أمور كثيرة من جوانب إدارة شؤون المجتمع وقضاياه التنموية والاقتصادية،‮ ‬ومن منطلق فهمنا بأن الاستراتيجيات‮ ‬يفترض أنها تستهدف التعامل مع المتغيرات المحورية التي‮ ‬يراد تحريكها أو مزجها أو التعاطي‮ ‬معها لتكوين مدخل متناسق العناصر‮ ‬يحدد الأهداف والمحاور والأولويات وآليات التنفيذ،‮ ‬وبأن الاستراتيجية تعتبر أداة من أدوات التخطيط واستشراف المستقبل المستهدف الذي‮ ‬ينطوي‮ ‬على مرتكزات إبداعية في‮ ‬الرؤية والقدرة على التحليل والتشخيص والتصدي‮ ‬والمعالجة وتحديد نقاط القوة والضعف‮.‬
اذا فهمنا الاستراتيجية على ذلك النحو وبأنها نقيض الغفلة والتخبط،‮ ‬فإننا وبعد أن وجهنا قدراً‮ ‬كبيراً‮ ‬من مواردنا إلى مشروعات لا‮ ‬يمكن أن تحتل المرتبة الأولى في‮ ‬سلم الأولويات،‮ ‬فإننا وبمنتهى البراءة وحسن النية نريد أن نبحث في‮ ‬الاستراتيجيات التي‮ ‬نحتاجها،‮ ‬وفي‮ ‬أي‮ ‬مجالات نحتاج،‮ ‬ودعونا نطلق العنان لمخيلتنا ونمضي‮ ‬في‮ ‬السؤال‮ :‬
‮- ‬ما هي‮ ‬استراتيجية الدولة في‮ ‬مواجهة المشاكل المزمنة التي‮ ‬تحتاج إلى معالجات مبرمجة بعيداً‮ ‬عن الارتجال والتهوين من حجم التحديات الراهنة والمقبلة؟
‮- ‬ما هي‮ ‬استراتيجية الدولة لتحقيق الاستغلال الأمثل لمواردنا الوطنية،‮ ‬واستثمار الزيادة الكبيرة في‮ ‬الفوائض النفطية؟
‮- ‬ما هي‮ ‬استراتيجية الدولة في‮ ‬جذب رؤوس الأموال التي‮ ‬تشكل قيمة مضافة إلى اقتصادنا وتضيف إلى الطاقات الإنتاجية وإلى التوظيف؟
‮- ‬ما هي‮ ‬استراتيجية الدولة لمواجهة التضخم الجامح الذي‮ ‬يعصف بحياتنا ويثير الخوف من المستقبل،‮ ‬وهو التضخم الذي‮ ‬قال عنه الاقتصادي‮ “‬كينز‮” ‬بأنه أسوأ ما‮ ‬يصيب أي‮ ‬مجتمع؟
‮- ‬ما هي‮ ‬استراتيجية الدولة في‮ ‬مواجهة تزايد حدة التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية،‮ ‬ومكافحة الفقر،‮ ‬وتحويل الأيدي‮ ‬المتسولة إلى أيدٍ‮ ‬منتجة،‮ ‬وحماية الطبقة الوسطى التي‮ ‬تعيش حالة‮ “‬اندمار” ‬غير مسبوق؟
‮- ‬ما هي‮ ‬استراتيجية الدولة في‮ ‬مجال ربط الإصلاح الاقتصادي‮ ‬بالإصلاح الاجتماعي‮ ‬والسياسي،‮ ‬وتعزيز الديمقراطية؟
‮- ‬ما هي‮ ‬استراتيجية الدولة في‮ ‬مجال التصدي‮ ‬للتجاوزات وتفكيك منظومة الفساد والتربح من الوظائف العامة؟
‮- ‬ما هي‮ ‬استراتيجيات الدولة في‮ ‬مجالات مثل حماية الجبهة الداخلية،‮ ‬ومواجهة مظاهر ومخاطر الطأفنة وكل ما‮ ‬يكرس الانقسام بين أبناء البلد الواحد،‮ ‬رفع كفاءة الجهاز الحكومي‮ ‬عبر الإصلاح الإداري،‮ ‬السياحة،‮ ‬توفير الموارد المائية،‮ ‬البيئة،‮ ‬الخصخصة،‮ ‬والعلاقة مع السلطتين التشريعية والقضائية وتطوير النظام القضائي،‮ ‬ومع تفعيل الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني،‮ ‬وفي‮ ‬مجال التكنولوجيا والبحث والتطوير، ‬والثقافة والفنون والآداب،‮ ‬وفي‮ ‬مجال تعزيز الإنسان والحريات،‮ ‬وفي‮ ‬مجالات أخرى عديدة‮.‬
هل لدينا استراتيجيات في‮ ‬أي‮ ‬من تلك المجالات؟ استراتيجيات معلنة،‮ ‬وواضحة في‮ ‬أهدافها ومنطلقاتها وأولوياتها وبرنامجها الزمني،‮ ‬استراتيجيات تنطلق من معرفة لما‮ ‬يعانيه واقعنا من مظاهر ضعف وخلل وهي‮ ‬كثيرة وأوجه قوة وهي‮ ‬كثيرة أيضاً،‮ ‬استراتيجيات تشكل نهجاً‮ ‬يعكس عقلية نيّرة توجه العربة نحو سكة السلامة التي‮ ‬تؤدي‮ ‬إلى تشييد الدولة على أساس أقوى في‮ ‬كل المجالات والقطاعات‮.‬
السؤال مطروح،‮ ‬آملين من المعنيين بالأمر أن‮ ‬يفيدونا أفادهم الله‮.‬

صحيفة الايام
21 يونيو 2008