عاشت الحركة الطلابية الجامعية البحرينية في الخارج منذ الخمسينات وقبلها عندما لم تكن تعرف البحرين، ماذا تعني حقا الجامعة بصورة وطنية، فقد تعلم طلبة البحرين في الخارج قيم ومفاهيم سياسية مختلفة، فإلى جانب انخراطهم في حياة سياسية مؤدلجة مناهضة للاستعمار حتى وان انقسموا إلى تيارات وأجنحة ولكنهم احتفظوا بمسألة واحدة لم تتبدل لعقود لاحقة وهو شعورهم الوطني وانتماؤهم الحقيقي إلى وطن واحد، فوضعوا فوق كل الاعتبارات والاختلافات العرقية والمذهبية مسألة تجانسهم وتلاحمهم الوطني في الغربة.
واستمرت تلك الروح النضالية فلم تختلف حتى فترة الستينات إلى غاية الثمانينات محتفظا الاتحاد الوطني لطلبة البحرين بقضية دفاعه عن خطين أساسين “وحدة الحركة الطلابية ووحدة النضال من اجل الوطن ومناهضة الاستعمار وحلفائه” محتفظا خط النضال الطلابي في ظروفه السرية والعلنية بمبادئ وقيم وطنية لم تنحرف نحو المفاهيم الدينية المتزمتة ولا المفاهيم الطائفية والعصبيات إلى أن شهدنا تدريجيا تنمو في بلادنا الجامعات تلو الجامعات، وتتكاثر جموع الطلبة التي بدأت ترضع من ثدي القيم والمفاهيم الطائفية، فانسحب ذلك الوباء إلى صفوف الشباب وهم رافد مهم لحركتنا الوطنية ومستقبله الوطني.
ولكن ما حدث في التسعينات من تزايد في الفرز والانحياز إلى الانتماءات الطائفية جعل من الحركة الطلابية البحرينية تعيش غمام الرؤية وضياع بوصلة دورها الطلابي والوطني فانغرست داخل الوحل الطائفي بدلاً من انتشال صفوف الطلاب من ذلك الوعي الضيق بمسألة النزاعات الطلابية على مقاعد في مجلس اتحاد الطلبة وغيرها من أنشطة. وبدلاً من تكريس قيم الديمقراطية داخل الطلبة والشباب لكي يكونوا درسا للمستقبل كبديل عن أولئك الذين لم تتشبع روحهم بفضاء العلنية ومشروع الإصلاح الذي قدم للحركة الطلابية مساحات من حرية الاختيار والاقتناع بأفكار نقابية وسياسية ومطلبيه. وبدلاً من أن نكون مرآة للتجربة الطلابية الجامعية الحالية كونها “نموذجا للوطنية الحالية والقادمة” إذ من الطبيعي أن يتنافس الطلاب على المقاعد ويتقاسمون فرص النجاح والفشل كمسألة طبيعية بين تيارات طلابية معاصرة تنظر للعالم برؤية متباينة في عصر الثورة المعلوماتية والتجربة الديمقراطية في المملكة وتتعايش كل أجنحة الطلبة في قاعات الجامعة وأروقتها وفي كل مساحة من مساحات وأنشطة الجامعة كإخوة طلابية رأينا العكس من ذلك، فهناك نماذج طلابية بدأت تتبادل بعنفوان وكراهية خطابات طائفية فأخذت الإثارة تبرز والنعرات تتصاعد، وكأنما النجاح والفشل قيمة نهائية بلغت ذروة المجد متناسين طلبتنا أنهم في مرحلة متغيرة في الحياة والعمر والأمكنة، فاليوم يتخاصم الفتية بروح مثيرة للشفقة بينما سيجدون أنفسهم في الغد القريب يخرجون للحياة والعمل وهناك تتبدل كل الأمور والأشياء فيصبح الوطن والتنمية وكل ما يربطنا من اجل وحدة وطنية أكثر أهمية، نجد العكس من ذلك حاليا في حرم الجامعة إذ بنا نسمع هتافات تتميز بنعرات طائفية تجعلنا نتساءل:
هل فعلا هؤلاء نموذجنا الذي نتطلع إليه؟ وهل بات حرم الجامعة مكانا لمثل هذه القيم السيئة والسلوك الخاطئ؟ ما الذي سيفعله أساتذة الجامعة عندما يسمعون طلبتهم يتغنون بهتافات “شيلات” لا تتفق وروح الانتخابات الطلابية والوطنية ولا تناسب ما تنوي كل حركتنا الوطنية وجمعياتها السياسية من رغبة في الحوار الوطني والقضاء على روح العصبيات العمياء؟
ما سمعته من أصوات مقززة للروح لم نعتدها لعقود طويلة ولم نسمع قط أي حركة طلابية بحرينية سواء في الخارج أو الداخل تلهج ألسنتها بتلك العبارات. ماذا يعني نجاح طلابي في انتخابات مجلس الطلبة؟! ولماذا صار الفرز الطلابي حالة من التوتر وكأنها انتصارنا الأبدي في مواجهة عارنا العربي والإنساني إزاء ما تراه الانسانية من شرور وانتهاكات؟! هل بلغت بنا نشوة مقاعد طلابية المجد والانتشاء إلى حد التغني والتمجيد بالانتماء الطائفي بطريقة لم تحدث من قبل ؟!
إن ترك الجمعيات برمتها والاتحادات النسائية والشبابية والنقابية وكذلك الإعلام وإدارة الجامعات لمثل تلك الحالات المريرة، المرور دون توقف ومناقشة جادة هي جريمة سياسية فمن يتغنون بمثل هذه الترهات هم جيلنا القادم وأولادنا المعنيون نحن بتربيتهم سياسيا وأخلاقيا؛ فخوض المشاحنات السياسية أو الطلابية لا يتم بخطاب بهذا المستوى.
أستبيحكم عذرا يا أبنائي فما فعلتموه جعلني اشعر بمرارة الماضي وحياتنا وظلالنا الطلابية حيث لم نكن نعرف تلك الهتافات لا في جامعاتنا ولا مدارسنا ولا في المحافل الدولية، فقد كنا نتغنى بخطاب أغنى مما تتغنون حيث كنا ننشد خلاف ما تنشدون فكانت أصواتنا تحمل رسائل أعمق للعالم ولوطننا وللإنسانية فقد كنا نردد: “عاش السلام العالمي وعاشت حماماته.. وحيوا السلام العالمي وعاشت راياته.. ويسقط الاستعمار هو وعصاباته” فهل كنا نمجد طوائفنا وعالمنا الضيق لمجرد مقاعد عابرة أم نعّلم الأجيال القادمة الروح الوطنية والتقدم؟! وقفة تأمل في كل ما قلتموه وعليكم بشجاعة تقديم نقد ذاتي لسلوك لم يكن جديرا بحرمنا الجامعي، ومبروك لكل تيار ما حصده ومبروك لكل تيار لم ينجح؛ ففي النهاية على الطلبة أن ينشطوا في كيانهم وجسمهم الطلابي المعني بالدفاع عن مصالحهم جميعا وليس العمل فقط على الركض وراء “الاستعراض / الشو” المراهق سياسيا أحيانا لإعمار لا تزال غظة وطرية في التجربة والسلوك السياسي والنقابي.
صحيفة الايام
17 يونيو 2008