المنشور

ماذا ستقدم «أوبك» في لقاء جدة؟

ستجتمع في 22 الشهر الجاري مجموعتا الدول المصدرة والمستهلكة للنفط في مدينة جدة السعودية لمناقشة السبب الحقيقي لارتفاع أسعار النفط والبحث عن حل. لكن ما هي الأسباب الحقيقية، وما الذي تستطيع أوبك أن تقدمه؟
الارتفاع الحاد منذ بداية يونيو/ حزيران الجاري، حيث بلغ من جديد 135 د/ب سمح للمحللين أن يتكهنوا بارتفاعه حتى 150 د/ب في يوليو/ تموز المقبل. وسواء حدث ذلك أم لا فإن جميع الأرقام القياسية السابقة قد ضربت. وبترجمتها إلى أسعار اليوم السعر القياسي لعام 1973 سيصبح 59 دولارا ولعام 1981 سيصبح 98 د/ب فقط. وفي مايو/ أيار الماضي عندما زادت الأسعار على 135 وارتفعت البيوع المستقبلية إلى 140 د/ب تحدث كل من مصرف غولدمان ساكس الاستثماري ووزراء بلدان أوبك عن إمكان سعر 200 د/ب. وقد لا يتحقق ذلك، إلا أن الواضح أن النفط لن يعود رخيصا. ولنتذكر أنه قبل بدء الارتفاع المحموم لأسعار النفط منذ العام 1999 كان الاقتصاد العالمي قد تعود على نطاق سعري تراوح بين 20 – 35 د/ب (بأسعار اليوم). أهي الفقاعة أم احتكار أوبك أم ذروة الإنتاج أم الطلب العالمي أم طاقات التكرير ما يقف وراء ارتفاع الأسعار؟
منذ الارتفاع الحاد الذي اخترق حاجز المئة د/ب في بداية العام الحالي انتعش رتل كامل من النظريات، ابتداء من الفقاعة وحتى «الذروة» النفطية. رجل المال الأميركي جورج سوروس قال أمام الكونجرس إن أسواق النفط والخامات الأخرى تشهد تشكل الفقاعة لأن المؤسسات الاستثمارية في الدول المتقدمة تنظر إلى مؤشرات الخامات على أنها أصول وطيدة. وكما يرى سوروس فإن قراراً مشابهاً لذلك أدى في السابق إلى فقاعة سوق العقار الأميركي، وبالتالي إلى الأزمة الراهنة. وقال إن الاستثمارات الحالية في مؤشرات الخامات تذكر بالحمى التي اجتاحت أثناء شراء المحافظ التأمينية التي أدت إلى انهيار السوق العام .1987 ويصر آخرون على أن الأسعار ارتفعت بسبب مؤشرات أصولية – أي النمو السريع في الطلب من جانب الدول النامية وعدم كفاية زيادة العرض، وخصوصاً بسبب اختلال الإمدادات الدورية أو عدم الاستقرار في مناطق مختلفة. لكن هذا التفسير لا يصمد لأن كل العوامل الأصولية المذكورة كانت ناشطة قبل عام من الآن. أكثر من ذلك فإن الطلب كان قد ارتفع في الفترة بين العامين 2004 – 2005 بأسرع مما هو حاليا. فما الذي تغير؟
الارتفاع الحاد لأسعار النفط مع بقاء وتيرة الزيادة نفسها في الطلب والعرض ولد نظرية أخرى – «الذروة» النفطية. ويبدو أن أنصار هذه النظرية واثقون من أن زيادة الأسعار ناجمة عن أن العالم يقترب، إن لم يكن قد اقترب، من ذروة الإنتاج النفطي. ويزعمون بأن حقول النفط الجديدة الضخمة، لكن القليلة، لن تغطي حاجات الاقتصاد العالمي المتزايدة. وأن لاعبي السوق يدركون هذا الوضع ويستعدون إليه. إذن، فوراء الأكمة تصعيد جديد للأسعار. ولهذا فإن توقع محلل غولدمان ساكس أرجونا مورتي، عن 150 – 200 د/ب يمكن أن يصبح حقيقة واقعة في 6 – 24 شهرا مقبلة. منتجو النفط يقولون إن المتسبب هم المضاربون الماليون. فأوبك تقول إن الارتفاع لا يمت بصلة لسلوكها. وأحد كبار مديري ExxonMobil أخبر مجموعة من مجلس الشيوخ أن «المضاربات والدولار الرخيص هو ما خرج بأسعار النفط عن اتجاهاتها السابقة». صحيح أنه في السنوات الخمس الماضية، وحسب الكونجرس الأميركي، ارتفعت الاستثمارات في المؤشرات النفطية من 13 إلى 260 مليار دولار، وصناديق الطاقة من 180 العام 2004 إلى 630 حالياً، وأن غالبية المستثمرين يراهنون على ارتفاع الأسعار، الأمر الذي يسخن السوق ويجتذب إليها مستثمرون جدد. لكن اقتصاديين أكثر تمعناً يرون أنه لا تجب المبالغة في أهمية الصناديق. فهي تستثمر في البيوع المستقبلية وليس في الصفقات المتحققة فعليا. وهم في كل شهر يضطرون إلى مبادلة العقود التي اقتربت مواعيد تحقيقها بتلك التي لم تحن بعد. وهذا ما يجعلهم من المشترين والبائعين في الوقت ذاته. وأيا كانت مبالغ تلك الصفقات لا يجب أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، إذ لا أحد يقتني نفطاً طبيعياً. وأنه مهما بلغ حجمها (225 مليار)، فهي لا تقارن بالقيمة الإجمالية للمعاملات الجارية في سوق النفط البالغة نحو 50 ترليون دولار سنويا[1]. وإلى ذلك أيضا فإن قرابة نصف الزيادة في قيمة صناديق المؤشرات النفطية يتحقق بفضل زيادة الأسعار ذاتها، وليس كتدفقات استثمارية صافية إضافية[2].
ومنذ الآن ظهرت دلائل بأن شهر مايو/ أيار الماضي سجل تراجعاً (إلى النصف) في قيمة تلك الصناديق إثر التحريات الرسمية في واشنطن عن دور المتاجرين والمضاربات في سوق النفط.
أنصار المضاربات ينوحون بلائمة ارتفاع أسعار النفط على أوبك من حيث كفاءة أدائها ككارتيل نفطي، قادر على تحديد الطاقات والاستخراج والتصدير. لكن الطاقات الاحتياطية الممكنة لدى البلدان المصدرة للنفط لا تزيد اليوم على 2 مليون ب/ي، أي %3,2 من الإنتاج العالمي للنفط. بينما في عام كان هذا المؤشر قد شكل 5,5 مليون برميل، أي 3,7 % من الإنتاج العالمي ما يعزز فكرة «الذروة» النفطية.
ويتعمق عدم استقرار أوضاع سوق النفط بسبب التغيرات البنيوية في استهلاك النفط، وخصوصاً بالنسبة لمنتجات نفطية محددة. لكن من ذا الذي سيضخ مليارات الدولارات في صناعة تكرير النفط إذا كانت النظرية القائلة بقرب تراجع استخراج النفط تكتسب انتشارا أوسع؟
نظرية «الذروة» النفطية التي لامسناها أعلاه جاءت بناء على فرضية جيولوجي شركة Royal Dutch/Shell ماريون هوبرت، الذي تنبأ منذ العام 1950بأن استخراج النفط العالمي سيبلغ ذروته مع نهاية القرن العشرين ليأخذ بعد ذلك منحى هبوطياً نظراً لنفاذ الموارد. لم تنل تلك الفرضية قبول الكثيرين في السابق، لكنها وسط الارتفاع الكبير في أسعار النفط أصبحت تستحق الاهتمام العالمي. ونأمل أن نأتيها في مقال لاحق.

[1] حسب تقدير بول هورسنيل، اقتصادي أسواق النفط في مصرف باركليز كابيتال لمجلة «أكسبرت» الأسبوع الماضي.
[2] في الربع الأول من العام 2008 ازداد حجم هذه الصناديق بمقدار 13 مليار دولار، منها 11 مليارا بسبب زيادة أسعار النفط، بينما ملياران فقط من الزيادة تحققا بفضل تدفق استثمارات جديدة.

صحيفة الوقت
16 يونيو 2008